الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

العرس أوربي والطبالين عرب / بقلم فواز الشريف

أنقضت منذ أيام قلائل البطولة الأوروبية أو ( يورو 2008 ) كما يحلو للبعض نعتها ، و أنقضى معها العرس الأوروبي و انفضى الأوربيون من على مائدته فسعد من سعد وحزن من حزن 
و لا ريب في أن أبرز السعداء في هذه الأجواء المترعة بالفرح كانوا من العرب ! 
ولقد تسنى لي الانضمام إلى نادي أولئك السعداء ممن حظوا بمشاهدة اللحظات الأخيرة لهذا العرس الأوروبي بعد أن دعاني عضو سعيد لمشاهدته والاستئناس به على أحد القنوات المشفرة 
ولقد حركة فيّ تلك الأجواء المفعمة بالسعادة بواعث للكتابة فألفيت نفسي وكما هو ديدنها عندما يحزبها أمر ما وقد هرعت الملم افكاري المتناثرة هنا وهناك أبثها بعضاً مما أنتابها من مشاعر الأسى والحزن من جراء أجواء السعاة تلك .
وعندما شرعت في الكتابة بدأت أستحضر من مخيلتي المتخمة بالكثير من الصور التي تنوعت عبر طيف واسع من المشاعر لأربط بينها وبين واقع أبى إلا أن يفرض نفسه علينا رغم مساعي البعض منا لتجاهله و الهروب من قبضته حتى ولو كان بالاستجداء و التطفل على موائد الآخرين ، ولكن نفسي النزاعة أبت أن لا تفوت هذا الحدث دون طرقه و الوقوف عنده و الولوج من خلاله إلى جراحات و مآسي هذه الأمة فأطلقت العنان لقلمي ليعبر عما يجيش في هذه النفس المتعبة التي أضنتها غفلة القوم السرمدية علني أجد في ذلك سلوتي ، وحتى أضع في الصورة من يمعن النظر في هذا الرسم ويعي هذا المقال سأعرّض لبعضاً من مظاهر الفرح التي تبدت لي من قومنا في عرس غيرنا ومن ثم أربطها بواقعها المرير لعلي بذلك أحرك شيئاً من شعور جمدت أوصاله في قوالب اللامبالاة .

فعلى المستوى الإعلامي حضيت هذه البطولة وكما هي عادت إعلامنا المٌوسيس بأهتمام بالغ وتغطية إعلامية منقطعة النظير تضاهي أن لم تبز قريناتها الأوروبية ، وحتى قبيل انطلاق بطولتهم بأسابيع سلط أعلامنا عليها الأضواء وأشبعت تعليقاً وتحليلاً وتوقعاً حتى باتت شغله الشاغل ، ولا شك في أن المتتبع للإعلام الغربي سيلمس بوناً شاسعاً بين إعلامنا المتطور المواكب للحدث وبين أعلامهم المتخلف !!!! 
وحسبك أن تلمس من مظاهر هذا الرقي الكم الهائل الذي تم تجنيده وحشده لخدمة هذه التظاهرة العالمية – و التي لا تمس لنا بصلة - من إعلاميين ومذيعيين وكوادر إخراج وتقديم وتصوير ومحللين وخبراء .... إلخ ، حتى أنك لتخال مراكز أعلامهم واستديوهاتهم وقد أضحت خلايا نحل من فرط ماجند لها ، وباتت تغص بهذا الكم من مهرجي الإعلام الرياضي رغم أن من ( تشرّف ) بنقل أحدائها و احتكر حق بثها على المستوى العربي قناة واحدة لا غير ، إلا أن ذلك لم يقف حائلاً دون متابعتها وتقصي أخبارها وإقحام صخبها في حياتنا . 
ولتقريب الصورة للأذهان لمعرفة مدى هذا الزخم الإعلام الذي أزكم الأنوف أجد أنه من الطريف أن أعرّج في الحديث عن أطرف ما في هذا الإعلام والمسمى بالتعليق الرياضي أو ( التهريج الرياضي ) وذلك لكونه يجسد حجم ومقدار هذا الاهتمام من ناحية، و كما يعكس صورة ويعطي انطباعاً على المدى الذي أوصلت إليه العقلية العربية المعاصرة من ناحية أخرى ، وهي صورة من الصورة التي أسعى لاستحضارها ، و رغم أن الرغبة تحدوني في أن أفرد له مقالة خاصة أتناول من خلالها سخافاته إلا أنه لا ضير من الإشارة إليه ولو بشكل مقتضب . 
أن أول ما يسترعي الانتباه هو مقدار ذلك التفاعل العجيب و الغريب الذي أبداه المعلق العربي مع أحداث البطولة -وسواها من المناسبات الرياضية - فلا يكاد يترك شاردة أو واردة إلا وعلق عليها أو أشار إليها ناهيك عن الصياح و النعيق و الهتاف حتى أنك لا تخال من فرط تفاعله أن الذي في أتون المنافسة هو الفريق القومي لأبناء جلدته وليس بفريق أجنبي ، وقد نوه أحدهم في معرض تعليقه بمدى العجب والاستغراب الذي أبداه المعلقون الأوربيون أنفسهم بهذا التعليق وقد أومأوا أليه ذات مرة بخفض صوته و التخفيف من حدة نعيقه و الحد من حماسه المفرط تخيل هذا وهم أصحاب الشأن فما بال هذا المسكين وقد أتعب حنجرته وأبح صوته ! هذا بجانب ما يبديه بعض الهائمين منهم من مشاعر الحب و الوفاء ويكليه من عبارات التقدير و الإعجاب حتى أنه وصل الأمر ببعضهم حد أقتباس عبارات ومقولات مقدسة وتنزيلها على اللهو الذي يخوض فيه ، هذا بجانب عبارات ومصلحات لا تستخدم إلى في المعاجم العسكرية و القواميس السياسية كعبارات استراتيجية وخطة وتكتيك وقذيفة أرض جو وعابرة للقارات ... إلخ من العبارات و المصطلحات الرنانة و أخالها في حقيقة ذاتها أنما تعبر عن ما نعانيه من نقص ، وأنت تتابع هذا الغث العجيب في سائر المناسبات الرياضية وعلى وجه الخصوص كرة القدم تختلط لديك المشاعر فتارة تضحك وأخرى تسخر ثم لا تلبث أن تحنق وتتشنج وكثيراً ما تصاب بحالة من الغثيان و رغبة في التقيؤ ، و القليل منهم قد رعى الآداب العامة و الذوق الرفيع فقدم مادته بلغة عربية سليمة والغالبية العظمى آثرت اللهجات المحلية وكأني بهم وقد ألوى على أنفسهم إلا أن يثرثروا بالعامية فتصيخ إليهم وقد قلبوا الذال دال أو زاء و الحاء خاء ، كما أنهم لم يكتفوا بذلك فلم يتورعوا عن إقحام الكم الهائل من المصطلحات و المفردات الأجنبية ، وكأن لسان حالهم يقول لابد أن يكون لنا سهم في تقويض دعائم العربية بنشر العامية على المنابر الإعلامية ، وما هذا سوى غيض من فيض وسيطول بنا المقام لو تتبعنا ترهات هؤلاء المجانين .
وإحقاقا للحق فلا يسعنى القول سوى أن هذا الإعلام الفلته قد تمكن وكما هو ديدنه في المناسبات العالمية من نقل العقل و الشعور العربي إلى قلب الحدث وبإمتياز حتى قبل انطلاقه ، و بالله عليكم هل يوجد تطور أبلغ مدى من ذلك !
أما على الصعيد الشعبي وتحديداً ما يسمى بالشارع الرياضي المباح في عرف السياسيين لدينا السير فيه والتسكع على قارعته ، والمصاب في صميم ذاته بلوثاء الهوس الكروي ، فأنه تبعاً للتأثير الإعلامي جرى توجيه أفئدة وعقول الملايين من المتسكعين صوب هذه المناسبة فأضحت هاجسهم وهمهم الأوحد فلا فلسطين و لا العراق و لا حصار غزاة لها نصيب من اهتمامتهم وقد ضوت جميعاً أمام يورو 2008 ، حتى أنه قلما يخلو مجلس من مجالس سمرهم أو منتدى رفقتهم أو أندية تجمعهم من الحديث عنها و التسري بأحداثها والإشادة بأبطالها ، وقد تقاسموا الإعجاب بينهم فهذا مال هواه صوب فريق دولة من الدول وآخر استحوذ على عقله فريق كذا وثالث شغف قلبه لاعب من اللاعبين حتى أضحى بطله الأوحد ، بل بلغ ببعضهم الحد في مناظرته ومناقشته و منافحاته حد التعصب ، والإيغال في الخصومة ! 
وكمّ راج سوق البطاقات المشفرة وارتفع ثمنها حتى غدت توازي القراريط من الذهب وقد اجتهد الجميع في تحصيل أثمانها وتهافتوا على شرائها رغم أن السواد الأعظم منهم لا يمتلك من المال ما يخوله لشرائها ورغم ذلك فقد تفتقت الأذهان لايجاد طرائق وسبل تحصيلها فهذا يستدين وذاك يستجدي وثالث يحتال بأساليب الكترونية ومجموعة تتشارك في جمع قيمة بطاقة واحدة لمشاركة جماعية وآخرون كانوا مصادر ربح للمقاهي وقد تقاطروا وحداً وزرافات وبإنتظام على تلك المقاهي للإستمتاع بيورو ! على شاشات أعدها أرباب تلك المقاهي لهذه الغاية حتى غصت جنابتها من فرط روادها ، وقد غدت هذه المناسبة وغيرها من المناسبات العالمية مواسم رواج لأولئك المنتفعين على حد سواء .

وبعد هذا الاستعراض السريع لهذه المضحكات المبكيات ما عسى المرء أن يقول ففي خضم ما تشهده أمتنا من بلايا ونكبات تترى تنوعت صروفها وأشكالها حتى بات أدناها ( أقربها ) يمس أمننا الغذائي ، نرى المزيد من الغفلة وكأني بها وقد ضربت بأطنابها بين ظهرانينا وأبت أن تفارق ، فحيثما تولي وجهك تلمح من مظاهرها ما يعجز القلم و البيان عن وصفه 
وكلما استبشرنا خيراً بأن صدمة تعقب مصيبة تحل على رؤوسنا قد تفيق هؤلاء النووم من سباتهم يخرج علينا أولئك بمخدر جديد و قد استخدموا أمضى أسلحتهم واشدها فتكاً وهو الإعلام -و الذي استغل أشنع استغلال بتسخير امكانياته الهائلة لمسخ العقول وتغييبها عن واقعها سلفاً – لحقن هذا المخدر في جسد هذه الأمة وذلك عبر الترويج للمناسبات الرياضية وخاصة كرة القدم لتستمر ( أمتنا ) سادرة في غيبوبة متصلة ولعمري ، أن هم في ذلك لسائرون في ركاب غيرهم قد اقتفوا خطى أسيادهم ومعلميهم أرباب الصهيونية الذين كرسوا هذه المناسبات وخاصة الكروية منها لإلهاء واستغفال الشعوب وتغييبها عن واقعها، وحسبك أن تنظر إلى توقيت هذه المناسبات و الكيفية التي تدار لتسويقها ، لتعلم ما نرمي إليه ولمن نوجه سهامنا .

ولعل هناك من المتحذلقين من سيرفع عقيرته ويرد قائلا أنه من الإجحاف أن نلقي باللائمة على طرف دون الآخر ، أو ليس للشعوب من عقول تفكر بها ؟ ، أوليس لها من ضمير يحرك وجدنها و الشعور ؟
و لاريب في أن لكلِ ذنوباً يصيبه ، إلا أن هذا لايحجب ولا يواري الحقيقة الكامنة في أن : الغالبية الساحقة من الناس ليسوا سوى رعاع وهم تبع يسيرون حيث تشير عصا الراعي وعليه فاللائمة تلقى على عاتق الراعي الذي أبى إلا أن يوردها موارد الهلاك ، وتالله لهو أول المتبورين .
وما ظلمنهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 


فواز الشريف

تقسيم الكبائر والصغائر على المذاهب الأربعة


كَبائر

«التعريف»
1 - الكبائر جمع كبيرة ، وهي لغةً : الإثم .
واصطلاحاً : كما قال القرطبيّ : كلّ ذنب عظم الشرع التوعّد عليه بالعقاب وشدده ، أو عظم ضرره في الوجود .
ولها تعريفات أخرى .
وهناك من عرف الكبائر بالعدّ ، قال الزركشيّ : اختلفوا في الكبيرة ، هل تُعرَّف بالحدّ أو بالعدّ ، على وجهين . وبالأول قال الجمهور .
وقد جاء في النّصوص الشرعية وكلام الفقهاء التعبير عن الكبيرة أيضاً بالموبقة ، كما في حديث : « اجتنبوا السبع الموبقات ... » ، وبالفاحشة ، كما في قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ » خلافاً للحليميّ ، فإنّه قسم الذّنوب إلى ثلاثة أنواع هي الصغائر ، والكبائر ، والفواحش ، ومثل لذلك بقتل النفس هو كبيرة ، فإن قتل ذا رحم محرم فهو فاحشة ، وهكذا تنقسم سائر الذّنوب عنده بحسب ما يلابس الذنب .

الألفاظ ذات الصّلة

«أ - المعصية»
2 - المعصية ، أو العصيان لغةً : خلاف الطاعة .
واصطلاحاً : مخالفة أمر الله تعالى ، بترك ما أمر به ، أو فعل ما نهى عنه ، سواء كان الذنب كبيراً أم صغيراً ، فهي أعمّ من الصغائر والكبائر .
«ب - اللَّمَم»
3 - من معاني « اللمم » في اللّغة : صغار الذّنوب .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ .
والصّلة بينهما أنّ اللمم قسيم الكبائر .
«الحكم التكليفيّ»
4 - لا خلاف بين الفقهاء في تحريم الكبائر لقول الله تعالى : « وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ » ، وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم : « اجتنبوا السبع الموبقات ... » .
«مناط تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر وضابط الكبيرة»
5 - ذهب جمهور العلماء إلى تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر ، واستدلّوا لذلك بالكتاب والسّنّة .
فمن الكتاب قوله تعالى : « إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ » ، وكذلك قوله تعالى في مدح المؤمنين الأتقياء : « الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ » . ومن السّنّة قوله صلى الله عليه وسلم : « ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر ... » ، وغير ذلك من الأحاديث .
وقد قال الغزاليّ : إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه .
وخالف في ذلك بعض الأصوليّين ، كأبي بكر بن الطيّب « الباقلانيّ » ، وأبي إسحاق الإسفرايينيّ ، وأبي المعالي الجوينيّ ، وأبي نصر عبد الرحيم القشيريّ ، وهو ما حكاه القاضي عياض عن المحقّقين ، ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية ، فذهبوا إلى أنّ جميع المعاصي كبائر بالنظر إلى من عصي سبحانه ، فكلّها بالنّسبة إلى جلاله كبائر ، وإن كان بعضها أعظم وقعاً من بعض ، وإنّما يقال لبعضها صغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها ، كالقبلة المحرمة صغيرة بالنّسبة إلى الزّنا ، لا أنّها صغيرة في نفسها ، كما استدلّوا بقول ابن عباس رضي الله عنهما : كلّ ما نهى الله عنه كبيرة .
وقال القرافيّ : الصغيرة والكبيرة في المعاصي ليس من جهة من عصى ، بل من جهة المفسدة الكائنة في ذلك الفعل ، فالكبيرة ما عظمت مفسدتها ، والصغيرة ما قلت مفسدتها . أما ضابط الكبيرة ، فقد قال العزّ بن عبد السلام : لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض ، والأولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها بدينه إشعاراً دون الكبائر المنصوص عليها ، قال الحافظ ابن حجر : « وهو ضابط جيّد » .
وقد سلك بعض المتأخّرين مسلكاً مشابهاً ، لكنّه عول على المفسدة ، لا على التهاون ، فكلّ معصية ساوت مفسدتها أدنى مفسدة كبيرة منصوص عليها فهي كبيرة ، ومثل لذلك بدلالة الكفار على المسلمين هي أشدّ فساداً من الفرار من الزحف المنصوص على أنّه كبيرة . ومن الضوابط المذكورة للكبيرة :
- قول الزيلعيّ : ما كان حراماً لعينه .
- وقول خواهر زاده : ما كان حراماً محضاً سواء سُمّي في الشرع فاحشةً أم لم يسم ولكن شرع عليه عقوبةً محضةً بنص قاطع إما في الدّنيا بالحدّ أو الوعيد بالنار في الآخرة .
وقول الماورديّ : ما أوجبت الحد أو توجه بسببها إلى الفاعل وعيد .
وما نقله القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد بأنّها : كلّ ذنب أوجب الله فيه حدّاً في الدّنيا أو ختمه بنار في الآخرة .
ومن الضوابط قول ابن الصلاح : للكبائر أمارات ، منها : إيجاب الحدّ ، ومنها : الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب والسّنّة ، ومنها : وصف صاحبها بالفسق ، ومنها : اللعن .
وقال ابن حجر الهيتميّ : قصدوا التقريب وليست بحدود جامعة .
ونفى الواحديّ وجود ضابط للكبيرة وأنّه بقصد الشارع فقال : الصحيح أنّه ليس للكبائر حدّ يعرفه العباد وتتميز به عن الصغائر تمييز إشارة ، ولو عرف ذلك لكانت الصغائر مباحةً ، ولكن أخفي ذلك على العباد ، ليجتهد كلّ واحد في اجتناب ما نهي عنه ، رجاء أن يكون مجتنباً للكبائر ، ونظيره إخفاء الصلاة الوسطى في الصلوات ، وليلة القدر في رمضان .
قال ابن حجر الهيتميّ بعدما أورد بعض الحدود : « مقتضى كلام الإمام وغيره أنّ الحدود السابقة هي لما عدا الكفر ، وإن صح أن يسمى كبيرةً بل هو أكبر الكبائر » .
«تعداد الكبائر»
6 - اختلف العلماء في حصر الكبائر بعدد أو عدم حصرها .
فذهب أكثرهم إلى أنّ ما ورد منها بعدد معين ليس المراد منه الحصر ، وأجابوا عن الحكمة في الاقتصار في بعض الأحاديث على عدد معين ، كسبع مثلاً بأجوبة عديدة ، منها :
أ - أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم أُعْلِم بالكبائر المذكورات أولاً ، ثم أعلم بما زاد ، فيجب الأخذ بالزائد .
ب - أنّ الاقتصار وقع بحسب المقام ، بالنّسبة للسائل أو من وقعت له واقعة .
وذهب بعض العلماء إلى حصرها في عدد معين هو :
أ - ثلاث : روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه .
ب - أربع : روي أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : الكبائر أربع : اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، والشّرك بالله ، دل عليها القرآن ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال :
« الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين وقتل النفس ، واليمين الغموس » ، وعن أنس رضي الله عنه ، ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر ، أو سئل عن الكبائر فقال :
« الشّرك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، فقال : ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ قال : قول الزّور ، أو شهادة الزّور » .
وأشار ابن حجر الهيتميّ إلى ضبط بعضهم الكبائر بأنّها كلّ فعل نص الكتاب على تحريمه
« أي بصريح التحريم » وهو أربعة أشياء : أكل لحم الميتة ، والخنزير ، ومال اليتيم ، والفرار من الزحف .
ج - سبع : واستدلّوا بما روى أبو هريرة رضي الله عنه « أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال : اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : يا رسول الله ، وما هنّ ؟ قال : الشّرك بالله ، والسّحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحقّ ، وأكل الرّبا ، وأكل مال اليتيم ، والتولّي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات » .
قال ابن حجر الهيتميّ : وممن صرح بأنّ الكبائر سبع : عليّ رضي الله عنه ، وعطاء ، وعبيد بن عمير .
د - ثمان : وذلك بزيادة « عقوق الوالدين » على السبع التي في حديث أبي هريرة السابق. وقد وفق بعض الشّراح بين عدّ الكبائر سبعاً ، وعدّها ثمانياً ، باعتبار أكل الرّبا وأكل مال اليتيم كبيرةً واحدةً ، بجامع الظّلم .
هـ - تسع : أشار إلى هذا الزركشيّ لحديث : « الكبائر تسع » ، وزاد على حديث أبي هريرة السابق : « الإلحاد في الحرم ، وعقوق الوالدين » .
و - عشر : روي ذلك عن ابن مسعود .
ز - أربع عشرة : أشار إليه الزركشيّ .
ح - خمس عشرة : أشار إليه ابن حجر الهيتميّ .
ط - سبع عشرة : نقل القول بذلك الشيخ عليش .
ي - سبعون : قال الزركشيّ : أنهاها الذهبيّ إلى سبعين في جزء صنّفه في الكبائر .
ك - أربعمائة وسبع وستّون : أنهى ابن حجر الهيتميّ الكبائر إلى هذا العدد ، منها ستّ وستّون كبائر باطنة مما ليس له مناسبة بخصوص أبواب الفقه ، أي تتعلق بأعمال القلوب ، والباقي كبائر ظاهرة تتعلق بالجوارح .
ل - سبعمائة : روي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه ، أخرج الطبرانيّ عنه أنّه قيل له : الكبائر سبع ، فقال : هي إلى السبعين أقرب ، وفي رواية إلى السبعمائة ، قال الحافظ ابن حجر : ويحمل كلامه على المبالغة بالنّسبة لمن اقتصر على السبع .
قال القرافيّ : ما وردت السّنّة أو الكتاب العزيز بجعله كبيرةً أو أجمعت عليه الأمة أو ثبت فيه حدّ من حدود الله تعالى ، كقطع السرقة وجلد الشّرب ونحوهما ، فإنّها كلها كبائر قادحة في العدالة إجماعاً وكذلك ما فيه وعيد صرّح به في الكتاب أو في السّنّة فنجعله أصلاً وننظر، فما ساوى أدناه مفسدةً ، أو رجح عليها مما ليس فيه نص ألحقناه به ...
«أكبر الكبائر»
7 - قسم الفقهاء الكبائر إلى كبيرة وأكبر ، وذلك لما روي عن أبي بكرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله قال ثلاثاً : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متكئاً فجلس فقال : ألا وقول الزّور وشهادة الزّور ، ألا وقول الزّور وشهادة الزّور فما زال يقولها حتى قلت : لا يسكت » ، وفي رواية « حتى قلنا : ليته سكت » ، أي إشفاقاً عليه صلى الله عليه وسلم قال الحافظ ابن دقيق العيد : يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم : « أكبر الكبائر » انقسام الذّنوب إلى كبير وأكبر ، وذلك بحسب تفاوت مفاسدها ، ولا يلزم من كون هذه أكبر الكبائر استواء رتبها أيضاً في نفسها .
وقال الحافظ ابن حجر : حديث « أكبر الكبائر » ليس على ظاهره من الحصر ، بل « من » فيه مقدرة ، أي من أكبر الكبائر فقد ثبت في أشياء أخر أنّها من أكبر الكبائر ، ثم ذكر الأحاديث الواردة في أكبر الكبائر ، فبلغت عشرين كبيرةً ، وبعد إسقاطه المتداخل منها بلغت ثلاث عشرة هي :
أ - الإشراك بالله .
ب - عقوق الوالدين .
ج - قول الزّور وشهادة الزّور « وهذه ثلاثة التي في الحديث السابق » .
د - قتل النفس ، لحديث أنس في أكبر الكبائر .
هـ - الزّنا بحليلة الجار ، لحديث ابن مسعود : قلت : « يا رسول الله ، أيّ الذنب أعظم قال : أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك ، قلت : ثم أيّ ؟ قال : أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك ، قلت : ثم أيّ ؟ قال . أن تزاني حليلة جارك » فأورد هذه بينها .
و - اليمين الغموس ، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين أو قال : اليمين الغموس » .
ز - استطالة المرء في عرض رجل مسلم ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم » . ح - منع فضل الماء ومنع الفحل ، لحديث بريدة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ من أكبر الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، ومنع فضل الماء ومنع الفحل » .
ط - سوء الظنّ بالله تعالى ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « أكبر الكبائر سوء الظنّ بالله » .
ي - مضاهاة الخلقة بالتصوير ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : يقول الله تعالى : « ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي » .
ك - اللدد في الخصومة ، لحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً : « أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخصم » .
ل - سبّ الأبوين ، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً : « إنّ من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ... » .
قال السّيواسيّ : أكبر الكبائر الشّرك ، وأصغر الصغائر حديث النفس ، وبينهما وسائط .
«ترتيب الكبائر من حيث المفسدة والضرر»
8 - قال القرافيّ : رتب المفاسد مختلفة ، وأدنى رتب المفاسد يترتب عليها الكراهة ، ثم كلما ارتقت المفسدة عظمت الكراهة ، حتى تكون أعلى رتب المكروهات ، تليها أدنى رتب المحرمات ، ثم تترقى رتب المحرمات حتى تكون أعلى رتب الصغائر ، يليه أدنى الكبائر ثم تترقى رتب الكبائر بعظم المفسدة حتى تكون أعلى رتب الكبائر ، يليها الكفر .
«الكبيرة والإيمان من حيث الزوال والنّقصان والبقاء»
9 - لا يخرج المؤمن من الإيمان بارتكابه الكبائر ; لأنّ أصل الإيمان من التصديق بالله تعالى ، والإيمان والتصديق موجودان في مرتكب الكبيرة ، وإذا مات قبل أن يتوب فهو في مشيئة الله وعفوه : إن شاء غفر له ، وإن شاء أخذه بذنوبه ، ولا يخلد في النار ، بل تكون عاقبته إلى الجنّة ، هذا ما عليه أهل السّنّة ، واستدلّوا بقوله تعالى : « إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء » ، وكذلك قوله تعالى : « وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا » فسماهم مؤمنين مع صدور القتال ظلماً من إحدى الطائفتين .
«انخرام العدالة بارتكاب الكبائر»
10 - العدالة : كما قال الغزاليّ هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً ، حتى تحصل ثقة النّفوس بصدقه ، فلا ثقة بقول من لا يخاف الله تعالى خوفاً وازعاً عن الكذب .
وقد نقل ابن حزم الإجماع على أنّ ارتكاب الكبائر جرحة تردّ به الشهادة ، وقال الكاسانيّ : الأصل أنّ من ارتكب جريمةً ، فإن كانت من الكبائر سقطت عدالته إلا أن يتوب .
وصرح المالكية بأنّ العدل هو من لم يفعل معصيةً كبيرةً بلا توبة منها بأن لم يفعلها أصلاً أو تاب منها ، فإن فعلها ولم يتب منها فلا تقبل شهادته ، فلا يشترط في العدل عدم مباشرة المعصية مطلقاً لتعذّره .
وفيما يلي بعض التوضيحات :
أ - صرح كلّ من القرافيّ وابن الشاطّ أنّ انخرام العدالة ورد الشهادة بارتكاب الكبائر ليس سببه الارتكاب نفسه ، بل ما يلزم عنه ، وهو أنّه يدلّ على الجرأة على مخالفة المرتكب للشارع في أوامره ونواهيه ، أو كما اختار ابن الشاطّ « احتمال الجرأة » فمن دلت قرائن حاله على الجرأة ردت شهادته ، كمرتكب الكبيرة المعلوم من دلائل الشرع أنّها كبيرة ، أو المصرّ على الصغيرة إصراراً يؤذن بالجرأة ، ومن احتمل حاله أنّه فعل ما فعل من ذلك جرأةً أو فلتةً توقّف عن قبول شهادته ، ومن دلت دلائل حاله أنّه فعل ما فعله من ذلك فلتةً غير متصف بالجرأة قبلت شهادته ، وذلك ; لأنّ السبب لردّ الشهادة ليس إلا التّهمة بالاجتراء على الكذب ، كالاجتراء على ارتكاب ما ارتكبه من المخالفة . فإذا عري عن الاتّصاف بالجرأة واحتمال الاتّصاف بها بظاهر حاله سقطت التّهمة .
ب - بين الخرشيّ أنّ العدالة المشترط فيها اجتناب الكبائر هي مطلق العدالة ، فمن لم يستوف هذا الشرط يكون فاسقاً ، بخلاف العدالة الخاصة المشترطة للشهادة ، فمن شروطها اجتناب ما يخلّ بالمروءة ، وعدمه ليس فسقاً .
ج - لا يترتب انخرام العدالة إلا على الارتكاب للكبيرة فعلاً ، فلو نوى العدل فعل كبيرة غداً لم يصر بذلك فاسقاً ، بخلاف نية الكفر .
«تفسيق مرتكب الكبيرة»
11 - عرف مما سبق في الكلام عن انخرام عدالة مرتكب الكبيرة أنّه يفسق بذلك .
قال الزركشيّ : من أتى بشيء من الكبائر فسق وسقطت عدالته ثم نقل عن الصيرفيّ التصريح بذلك .
«أثر الإصرار في تحوّل الصغيرة إلى كبيرة»
12 - قال القرافيّ : الصغيرة لا تقدح في العدالة ولا توجب فسوقاً ، إلا أن يصر عليها فتكون كبيرةً ... فإنّه لا صغيرة مع إصرار ، ولا كبيرة مع استغفار كما قال السلف ... ويعنون بالاستغفار التوبة بشروطها ، لا طلب المغفرة مع بقاء العزم ، فإنّ ذلك لا يزيل كِبَر الكبيرة ألبتة .
وقد أورد الزركشيّ في عداد الكبائر إدمان الصغيرة .
وخالف في هذا بعض الفقهاء ، كأبي طالب القضاعيّ ، حيث نقل عنه الزركشيّ أنّ الإصرار له حكم ما أصر به عليه فالإصرار على الصغيرة صغيرة .
واعتبار الإصرار على الصغيرة كبيرةً هو من باب الإلحاق كما قال الرمليّ ، فهو لا يصيّر الصغيرة كبيرةً حقيقةً ، وإنّما يلحقها بها في الحكم ، وبعبارة بعض الحنفية من شراح المنار: الإصرار على الصغيرة هو كبيرة لغيرها ، أما الكبيرة بالضابط الأصليّ فهي كبيرة بنفسها .
جاء في حواشي شرح المنار أنّ الإصرار تكرار الفعل تكرّراً يشعر بقلة المبالاة بأمر الدّين ، وقال أمير بادشاه : الإصرار أن تتكرر منه الصغيرة تكراراً يشعر بقلة مبالاته بأمر دينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك .
وأما حقيقة التكرار المشترط في تحقّق الإصرار فيعرف من تقسيم الزركشيّ الإصرار إلى قسمين :
أحدهما : حكميّ ، وهو العزم على فعل الصغيرة بعد الفراغ منها ، فهذا حكمه حكم من كررها فعلاً ، بخلاف التائب منها ، فلو ذهل عن ذلك ولم يعزم على شيء فهذا هو الذي تكفّره الأعمال الصالحة .
والثاني : الإصرار بالفعل ، وعبر عنه بعضهم بالمداومة أو الإدمان ، وعن بعض الشافعية قال : لا أجعل المقيم على الصغيرة المعفوّ عنها مرتكبًا للكبيرة إلا أن يكون مقيماً على المعصية المخالفة أمر الله دائماً ، ونحوه في المغني لابن قدامة .
«أثر الكبيرة في إحباط الثواب»
13 - لا خلاف في أنّ الشّرك الذي هو أكبر الكبائر يحبط الثواب ، قال الله تعالى : « لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » ، فمن أشرك بالله بعد توحيده له تعالى ، أو كفر مرتدّاً عن إيمانه ، أو كانت كبيرته استحلال محرم أو تحريم حلال كذلك ، فإنّه يحبط ثواب أعماله للرّدة ، وقد نص عليه الشافعيّ . واختلف هل يحبط العمل أيضاً ، بحيث يجب عليه إعادة الحجّ بعد عودته للإسلام ، وهل يترتب الحبوط على مجرد الرّدة أو بالموت عليها ، فذهب الشافعية - خلافاً للحنفية - إلى أنّ الحبوط بالموت على الرّدة ، لقوله تعالى : « فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ » ، فعليه لا يجب إعادة الحجّ الذي فعله قبل ردته إذا أسلم بعدها ، قال القليوبيّ : قيد بعضهم العمل الذي تحبطه الرّدة بما وقع حال التكليف لا قبله .
وتفصيله في مصطلح « ردة ف / 48 » .
أما الكبائر الأخرى فقد وردت نصوص في شأن بعضها بأنّه يحبط ثواب العمل ، مثل : القذف : عن حذيفة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنّ قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة » .
- الرّبا : وفيه حديث عائشة رضي الله عنها وقولها لأمّ ولد زيد بن أرقم رضي الله عنه : « لقد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم » ، وذلك في شأن معاملة فيها رباً . - سؤال العراف : عن صفية رضي الله عنها عن بعض أزواج النبيّ رضي الله عنهن أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال : « من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلةً » .
«العفو عن الكبائر»
14 - يختلف المقصود بالعفو عن الكبائر بحسب نوع الكبيرة ، هل هي اعتداء على ما هو حقّ لله تعالى ، كشرب الخمر ، أو اعتداء على ما فيه حقّ لله تعالى وللعبد ، كالقذف والسرقة :
فالعفو بالنّسبة للنوع الأول هو فيما يتعلق بالآخرة ، فإذا لم يتب مرتكب الكبيرة فهو عند أهل السّنّة في مشيئة الله وعفوه ، لقوله تعالى : « إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء » ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدّنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله : إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه قال : فبايعناه على ذلك » .
قال القرطبيّ : الكبائر عند أهل السّنّة تغفر لمن أقلع عنها قبل الموت ، وقد يغفر لمن مات عليها من المسلمين كما قال تعالى : « وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء » ، والمراد بذلك من مات على الذّنوب ، فلو كان المراد من تاب قبل الموت لم تكن للتفرقة بين الإشراك وغيره معنىً ، إذ التائب من الشّرك أيضاً مغفور له .
وأما بالنّسبة للكبائر التي فيها اعتداء على حقّ الله وحقوق العباد فالحكم في العفو عنها فيه تفصيل :
أ - إن كانت الكبيرة جنايةً على النفس أو ما دونها عمداً عدوانًا فلأولياء الدم - أو المجنيّ عليه إن بقي حيّاً - المطالبة بالقصاص أو الدّية أو العفو ، والتفصيل في مصطلح « عفو ف / 18 وما بعدها » .
ب - وإذا كانت الكبيرة سرقةً يجوز عفو المسروق منه عن السارق قبل بلوغ الإمام ، فيسقط الحدّ ، وتفصيله في مصطلح « سرقة ف / 72 » .
ج - وإذا كانت الكبيرة حرابةً وتاب المحاربون قبل أن يقدر عليهم سقط عنهم حدّ الحرابة من القتل أو الصلب أو القطع أو النّفي ، لا إن تابوا بعد القدرة عليهم ، وفي الحالتين لا تسقط عنهم حقوق العباد من القصاص في النفس وما دونها والدّيات وغرامة المال فيما لا قصاص فيه .
وتفصيله في مصطلح « حرابة ف / 24 » .
د - لا يجوز العفو في شيء من الحدود بعد أن تبلغ الإمام ، كما تحرم الشفاعة وطلب العفو، لحديث عائشة رضي الله عنها « أنّ قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتشفع في حدّ من حدود الله ؟ ثم قام فخطب فقال : يا أيّها الناس ، إنّما ضل من كان قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها » .
هـ - العفو في الكبائر التي فيها تعزير جائز للإمام إذا رأى المصلحة في العفو ، واستثنى ابن قدامة ما لو كان التعزير منصوصاً عليه ، وتفصيله في مصطلح « عفو ف / 32 » .
«أثر التوبة في انتفاء الفسق عن مرتكب الكبيرة ، وأثرها في تكفير الكبائر»
15 - ذهب الجمهور ، وهو رأي سعيد بن المسيّب وصفوان بن سليم ، إلى أنّ إقامة الحدّ ليس بكفارة ، ولا بد معه من التوبة ; لأنّها فرض لازم على العباد ، قال ابن رشد « الجدّ » الحدّ يرفع الإثم ويبقى عليه حكم الفسق ، ما لم يتب وتظهر توبته .
وذهب مجاهد وزيد بن أسلم إلى أنّ إقامة الحدّ بمجرده كفارة ، واستدلّوا بما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال : « ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب فهو كفارة له » .
قال المنهاجيّ : التوبة فيما بين العبد وبين الله تعالى ، وهي تسقط الإثم ، ويشترط فيها إقلاع ، وندم ، وعزم أن لا يعود ، وتبرئة ذمته من حقّ ماليّ إن تعلقت به ، كمنع زكاة أو غصب ، بردّه أو بدله إن تلف ، قال ابن مفلح : ويعتبر ردّ المظلمة وأن يستحله أو يستمهله ، وهذا في الأموال ، أما في مثل القذف والغيبة فقد قال الكرميّ : لا يشترط لصحة التوبة منها إعلامه والتحلّل منه ، بل يحرم إعلامه « أي : لدرء الفتنة » ثم قال المنهاجيّ : أما التوبة الظاهرة التي تعود بها الشهادة والولاية فالمعاصي إن كانت قوليةً شرط فيها القول ، فيقول في القذف : قذفي باطل ولا أعود إليه ، أو ما كنت محقّاً في قذفي .
وهل من شروط توبته إصلاح العمل والكفّ عن المعصية سنة ؟ قال أحمد بن حنبل : مجرد التوبة كاف ، وقال مالك : يشترط صلاح حاله أو الزّيادة في صلاحها .
وقال بعضهم : ظهور أفعال الخير عليه والتقرّب بالطاعات من غير حدّ بسنة ولا غيرها . وعند الحنفية أقوال : ففي الخانية : الفاسق إذا تاب لا تقبل شهادته ما لم يمض عليه زمن تظهر فيه التوبة ، ثم بعضهم قدره بستة أشهر ، وبعضهم قدره بسنة ، والصحيح أنّ ذلك مفوض إلى رأي القاضي والمعدّل ، وفي الخلاصة : ولو كان عدلاً فشهد بزور ثم تاب وشهد تقبل توبته من غير مدة .
وهذا في الكبائر كلّها عدا القذف ففيه خلاف ، بعد الاتّفاق على زوال اسم الفسق عنه بالتوبة : ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّه تقبل شهادة القاذف إن تاب سواء أكانت توبته قبل الحدّ أم بعده .
واستدلّوا بقوله تعالى : « وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا » وقالوا : الاستثناء في سياق الكلام على أوله وآخره إلا أن يفرّق بين ذلك خبر ، ولأنّ رد الشهادة مستند إلى الفسق ، وقد ارتفع بالتوبة ، لكنّ مالكًا اشترط أن لا تقبل شهادته في مثل الحدّ الذي أقيم عليه .
وذهب الشعبيّ والحسن ومجاهد وعكرمة ومسروق وشريح والحنفية إلى أنّه لا تقبل شهادة القاذف وإن تاب إذا كانت توبته بعد الحدّ ، وقالوا : إنّ الاستثناء في الآية عائد إلى أقرب مذكور ، وهو الفسق ، ولا يرجع إلى ما قبله ، وهو عدم قبول الشهادة ، لأنّه مقترن بالتأبيد ، ولأنّ المنع من قبول الشهادة جعل من تمام عقوبة القاذف ، ولهذا لا يترتب المنع - عندهم - إلا بعد الحدّ ، وما كان من الحدود ولوازمها لا يسقط بالتوبة ، فلو قذف ولم يحد لم ترد شهادته ، وتفصيله في مصطلح « قذف ف / 21 » .
«تكفير الصغائر باجتناب الكبائر»
16 - ذهب جمهور الفقهاء وجماعة أهل التفسير إلى أنّ الصغائر تكفر باجتناب الكبائر ، لقوله تعالى : « إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا » ، وقوله تعالى : « الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ » . كما استدلّوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفّرات ما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر » .
وذهب الأصوليّون - كما قال القرطبيّ - إلى أنّه لا يجب على القطع تكفير الصغائر باجتناب الكبائر ، وإنّما محمل ذلك على غلبة الظنّ وقوة الرجاء ، والمشيئة ثابتة بقوله تعالى :
« وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء » ، قالوا ولا ذنب عندنا يغفر واجباً باجتناب ذنب آخر ، ودل على ذلك أنّه لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض بتكفير صغائره قطعاً لكانت له في حكم المباح الذي نقطع بأنّه لا تباعة عليه ، وذلك نقض لعرى الشريعة ، كما استدلّوا بحديث : « من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنّة ، فقال له رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله ؟ قال : وإن قضيباً من أراك » فقد جاء الوعيد الشديد على اليسير كما جاء على الكثير .
قال القرطبيّ : إنّ الله تعالى يغفر الصغائر باجتناب الكبائر لكن بضميمة أخرى إلى الاجتناب، وهي إقامة الفرائض .
واختلف هل شرط التكفير للصغائر عدم ملابسته لشيء من الكبائر أو لا يشترط ؟ حكى ابن عطية وغيره عن الجمهور الاشتراط ، لظاهر حديث : « الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفّرات ما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر » واختار بعض المحقّقين أنّه لا يشترط ، قالوا : والشرط في الحديث بمعنى الاستثناء ، والتقدير : مكفّرات ما بينهما إلا الكبائر .
ويساعد ذلك مطلق الأحاديث المصرّحة بالتكفير من غير شرط .
«تكفير الحجّ للكبائر»
17 - روى عباس بن مرداس رضي الله عنه « أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأمته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب : إنّي قد غفرت لهم ما خلا الظالم فإنّي آخذ للمظلوم منه، قال : أي ربّ ، إن شئت أعطيت المظلوم من الجنّة وغفرت للظالم ، فلم يجب عشيته ، فلما أصبح بالمزدلفة أعاد الدّعاء ، فأجيب إلى ما سأل ... » ، وروى ابن المبارك « أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال : إنّ الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات ، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا رسول الله ، هذا لنا خاصةً ؟ قال : هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : كثر خير الله وطاب » ، قال ابن عابدين : وتمامه في الفتح وساق فيه أحاديث أخر ، والحاصل أنّ حديث ابن ماجه - وإن ضعّف - فله شواهد تصحّحه ، والآية أيضاً تؤيّده ، ومما يشهد له أيضاً حديث : « من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمّه » ، وقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص : « أما علمت أنّ الإسلام يهدم ما كان قبله ، وأنّ الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وأنّ الحج يهدم ما كان قبله » .
لكن ذكر الأكمل في شرح المشارق في هذا الحديث أنّ الحربي تحبط ذنوبه كلّها بالإسلام والهجرة والحجّ حتى لو قتل وأخذ المال وأحرزه بدار الحرب ثم أسلم لم يؤاخذ بشيء من ذلك ، وعلى هذا كان الإسلام كافياً في تحصيل مراده ولكن ذكر صلى الله عليه وسلم الهجرة والحج تأكيدًا في بشارته وترغيباً في مبايعته فإنّ الهجرة والحج لا يكفّران المظالم ولا يقطع فيهما بمحو الكبائر وإنّما يكفّران الصغائر ، ويجوز أن يقال والكبائر التي ليست من حقوق أحد كإسلام الذّمّيّ ، وكذا ذكر الإمام الطّيبيّ في شرحه وقال : إنّ الشارحين اتفقوا عليه ، وهكذا ذكر النّوويّ والقرطبيّ في شرح مسلم .
قال ابن عابدين : وفي شرح اللّباب : ومشى الطّيبيّ على أنّ الحج يهدم الكبائر والمظالم ، ووقع منازعة غريبة بين أمير بادشاه من الحنفية حيث مال إلى قول الطّيبيّ ، وبين الشيخ ابن حجر المكّيّ من الشافعية وقد مال إلى قول الجمهور ، وكتبت رسالةً في بيان هذه المسألة ، وظاهر كلام الفتح الميل إلى تكفير المظالم أيضاً ، وعليه مشى الإمام السرخسيّ في شرح السّير الكبير ، وإليه ذهب القرطبيّ .
وقال عياض : هو محمول بالنّسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها ، والحاصل أنّ تأخير الدين وغيره ، وتأخير نحو الصلاة والزكاة من حقوقه تعالى ، فيسقط إثم التأخير فقط عما مضى دون الأصل ودون التأخير المستقبل ، ونقله عن التّرمذيّ واللقانيّ ، واستظهر ابن عابدين سقوط الدين أيضاً عند العجز كما قال عياض لكنّ تقييد عياض بالتوبة والعجز غير ظاهر ; لأنّ التوبة مكفّرة بنفسها ، وهي إنّما تسقط حق الله تعالى لا حق العبد، فتعين كون المسقط هو الحج كما اقتضته الأحاديث .
قال ابن نجيم : والصحيح أنّ الحج لا يكفّر الكبائر ، وليس مراد القائل بأنّه يكفّرها أنّه يسقط عنه قضاء ما لزمه من العبادات وتركه والمظالم والدين ، وإنّما مراده أنّه يكفّر إثم تأخير ذلك ، فإذا فرغ منه طولب بقضاء ما لزمه ، فإن لم يفعل مع قدرته فقد ارتكب الآن الكبيرة الأخرى ، والمسألة ظنّية ، فلا يقطع بتكفير الحجّ للكبائر من حقوقه تعالى ، فضلاً عن حقوق العباد .
«شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر وعدم خلودهم في النار»
18 - للنبيّ صلى الله عليه وسلم من الشفاعات الخاصة به شفاعته في قوم استوجبوا النار بأعمالهم ، فيشفع فيهم ، فلا يدخلونها ، هذا مذهب أهل السّنّة .
وقد جزم السّيوطيّ في الخصائص بأنّ هذه الشفاعة من خصائصه صلى الله عليه وسلم وجزم القاضي وابن السّبكيّ بعدم اختصاصه صلى الله عليه وسلم بها ، وأشار العزّ بن عبد السلام إلى أنّه يشاركه فيه صلى الله عليه وسلم الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنون .
وهذه الشفاعة هي غير الشفاعة العامة أو العظمى لفصل القضاء بين الناس بعد المحشر ، فتلك تعمّ جميع الخلق ، وهي متفق عليها بين الأمة أنّها من خصائصه .
قال الأشعريّ : أجمع المسلمون أنّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعةً ... وهي للمذنبين المرتكبين الكبائر .
واستدلّوا لشفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر بما روى أنس رضي الله عنه أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال : « شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي » .
قال ابن أبي العزّ : تواترت الأحاديث في شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر ، وقد خفي علم ذلك عن الخوارج والمعتزلة .
والتفصيل في مصطلح « شفاعة ف / 6 » .


الموسوعة الفقهية الكويتية



قَسْم بين الزوجات على المذاهب الأربعة


قَسْم بين الزوجات

«التعريف»
1 - القَسْم - بفتح القاف وسكون السّين - لغةً : الفرز والتفريق ، يقال : قسمت الشيء قَسْماً: فرزته أجزاءً ، والقِسْم - بكسر القاف وسكون السّين - الاسم ثم أطلق على الحصة والنصيب ، والقَسَم - بفتح القاف والسّين - اليمين .
وفي الاصطلاح قال الجرجانيّ : قسمة الزوج : بيتوتته بالتسوية بين النّساء ، أو كما قال البهوتيّ : هو توزيع الزمان على زوجاته إن كن ثنتين فأكثر .

الألفاظ ذات الصّلة

«أ - العَدْل بين الزوجات»
2 - من معاني العدل في اللّغة : القصد في الأمور والاستقامة ، وهو خلاف الجور ، يقال : عدل في أمره عدْلاً وعدالةً ومعدِلةً : استقام ، وعدل في حكمه : حكم بالعدل .
وفي الاصطلاح : التسوية بين الزوجات في حقوقهن من القسم والنفقة والكسوة .
والقسم بين الزوجات أثر من آثار العدل ولوازمه .
«ب - العشرة بالمعروف»
3 - العشرة اسم من المعاشرة ، وهي في اللّغة المخالطة .
وفي الاصطلاح : ما يكون بين الزوجين من الألفة والانضمام .
والقسم بين الزوجات من المعاشرة بالمعروف .
«ج - البيتوتة»
4 - البيتوتة في اللّغة مصدر « بات » وهي في الأعمّ الأغلب بمعنى فعل الفعل بالليل ، يقال : بات يفعل كذا أي فعله بالليل ، ولا يكون إلا مع سهر الليل ، وعليه قول الله تعالى : « وَالذينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً » .
وقد تأتي نادراً بمعنى نام ليلاً .
وقد تأتي بات بمعنى صار ، يقال : بات بموضع كذا أي صار به ، سواء كان في ليل أو نهار ، وعلى هذا المعنى قول الفقهاء: بات عند امرأته ليلةً أي صار عندها سواء حصل معه نوم أم لا. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ .
والبيتوتة هي عماد القسم بين الزوجات في الغالب الأعمّ .
«الحكم التكليفيّ»
5 - ذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب القسم بين الزوجات ، وأوجبه المالكية والحنابلة وقد اتفق الفقهاء على أنه يجب على الرجل - إن كان له أكثر من زوجة - أن يعدل في القسم بين زوجاته ، وأن يسوّي بينهن فيه ; لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله عز وجل بها في قوله سبحانه وتعالى : « وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ » ، وليس مع عدم التسوية في القسم بين الزوجات معاشرة لهن بالمعروف ، ولما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقّه ساقط » ، وللاتّباع والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في قَسْمه بين أزواجه وعدله بينهن فقد كان صلى الله عليه وسلم على غاية من العدل في ذلك ، قال الشافعيّ : بلغنا « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيعدل » ... وأنه « كان يطاف به محمولاً في مرضه على نسائه حتى حللنه » .
وقالوا : أن من كان له أكثر من زوجة فبات عند واحدة لزمه المبيت عند من بقي منهن .. تسويةً بينهن .
وصرح بعض فقهاء الشافعية بأن لزوم المبيت عند بقية الزوجات إن بات عند إحداهن يكون على الفور ، لأنه حقّ لزم وهو معرض للسّقوط بالموت ، فوجب على الزوج الخروج منه ما أمكنه ، ويعصي بتأخيره .
وعقب عليه الشبراملسي - الشافعيّ - بأنه لو تركه كان كبيرةً أخذاً من الخبر السابق .
ونص الشافعية على أن الواجب على الزوج إذا كان له أكثر من زوجة هو العدل بينهن في القسم إن قسم ، وله أن يعرض عنهن جميعاً إلا أنه يستحبّ أن لا يعطّلهن ، واستثنوا من جواز الإعراض عن الزوجات ابتداءً أو بعد نوبة أو أكثر ما لو حدث ما يمنع هذا الإعراض ، كأن ظلمها ثم بانت منه ، فإنه يجب عليه القضاء على الراجح بطريقه الشرعيّ وهو عودها إلى عصمته .
«ما يتحقق به العدل في القسم»
6 - ذهب الفقهاء إلى أنه يجب على الزوج العدل بين زوجتيه أو زوجاته في حقوقهن من القسم والنفقة والكسوة والسّكنى ، وهو التسوية بينهن في ذلك ، والأصل فيه قول الله تعالى : « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً » عقيب قوله تعالى : « فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ » ، ندب الله تعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزّيادة ، وإنما يخاف على ترك الواجب ، فدل على أن العدل بينهن في القسم والنفقة واجب ، وإليه أشار في آخر الآية
بقوله عز وجل : « ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ » ،أي تجوروا ، والجور حرام فكان العدل واجباً ضرورةً ; ولأن العدل مأمور به في قوله تعالى : « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ » على العموم والإطلاق إلا ما خص أو قيّد بدليل ; ولأن النّساء رعية الزوج ، فإنه يحفظهن وينفق عليهن ، وكلّ راع مأمور بالعدل في رعيته .
والعدل الواجب في القسم يكون فيما يملكه الزوج ويقدر عليه من البيتوتة والتأنيس ونحو ذلك ، أما ما لا يملكه الزوج ولا يقدر عليه كالوطء ودواعيه ، وكالميل القلبيّ والمحبة .. فإنه لا يجب على الزوج العدل بين الزوجات في ذلك ; لأنه مبنيّ على النشاط للجماع أو دواعيه والشهوة ، وهو ما لا يملك توجيهه ولا يقدر عليه ، وكذلك الحكم بالنّسبة للميل القلبيّ والحبّ في القلوب والنّفوس فهو غير مقدور على توجيهه ، وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى : « وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ » يعني في الحبّ والجماع ، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ويعدل ثم يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك » يعني المحبة وميل القلب ; لأن القلوب بيد الله تعالى يصرّفها كيف شاء .
ونص الحنفية والشافعية والحنابلة على أنه يستحبّ للزوج أن يسوّي بين زوجاته في جميع الاستمتاعات من الوطء والقبلة ونحوهما لأنه أكمل في العدل بينهن ، وليحصنهن عن الاشتهاء للزّنا والميل إلى الفاحشة ، واقتداءً في العدل بينهن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روي « أنه كان يسوّي بين نسائه حتى في القُبَل » .
ونص المالكية على أن الزوج يترك في الوطء لطبيعته في كلّ حال إلا لقصد إضرار لإحدى الزوجات بعدم الوطء - سواء تضررت بالفعل أم لا - ككفّه عن وطئها مع ميل طبعه إليه وهو عندها لتتوفر لذته لزوجته الأخرى ، فيجب عليه ترك الكفّ ; لأنه إضرار لا يحلّ .
ونقل ابن عابدين عن بعض أهل العلم أن الزوج إن ترك الوطء لعدم الداعية والانتشار عذر ، وإن تركه مع الداعية إليه لكن داعيته إلى الضرة أقوى فهو مما يدخل تحت قدرته .
7- وإذا قام الزوج بالواجب من النفقة والكسوة لكلّ واحدة من زوجاته ، فهل يجوز له بعد ذلك أن يفضّل إحداهن عن الأخرى في ذلك ، أم يجب عليه أن يسوّي بينهن في العطاء فيما زاد على الواجب من ذلك كما وجبت عليه التسوية في أصل الواجب ؟ اختلف الفقهاء في ذلك :
فذهب الشافعية والحنابلة وهو الأظهر عند المالكية إلى أن الزوج إن أقام لكلّ واحدة من زوجاته ما يجب لها ، فلا حرج عليه أن يوسّع على من شاء منهن بما شاء ، ونقل ابن قدامة عن أحمد في الرجل له امرأتان قال : له أن يفضّل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسوة إذا كانت الأخرى كفايةً ، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية ، وهذا لأن التسوية في هذا كلّه تشقّ ، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج ، فسقط وجوبه ، كالتسوية في الوطء. لكنهم قالوا : إن الأولى أن يسوّي الرجل بين زوجاته في ذلك ، وعلل بعضهم ذلك بأنه للخروج من خلاف من أوجبه .
وقال ابن نافع : يجب أن يعدل الزوج بين زوجاته فيما يعطي من ماله بعد إقامته لكلّ واحدة منهن ما يجب لها .
ونص الحنفية على وجوب التسوية بين الزوجات في النفقة على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حال الزوج ، أما على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حالهما فلا تجب التسوية وهو المفتى به ، فلا تجب التسوية بين الزوجات في النفقة لأن إحداهما قد تكون غنيةً وأخرى فقيرةً.
«الزوج الذي يستحقّ عليه القسم»
8 - ذهب الفقهاء إلى أن القسم للزوجات مستحقّ على كلّ زوج - في الجملة - بلا فرق بين حرّ وعبد ، وصحيح ومريض ، وفحل وخصيّ ومجبوب ، وبالغ ومراهق ومميّز يمكنه في الوطء، وعاقل ومجنون يؤمن من ضرره ... لأن القسم للصّحبة والمؤانسة وإزالة الوحشة وهي تتحقق من هؤلاء جميعاً .
لكن الفقهاء خصّوا قسم بعض الأزواج بالتفصيل ، ومن ذلك :
«أ - قسم الصبيّ لزوجاته»
9 - ذهب الفقهاء إلى أن الزوج الصبي المراهق أو المميّز الذي يمكنه الوطء يستحقّ عليه القسم ; لأنه لحقّ الزوجات ، وحقوق العباد تتوجه على الصبيّ عند تقرّر السبب ، وعلى وليّه إطافته على زوجاته ، والإثم على الوليّ إن لم يطف به عليهن أو جار الصبيّ أو قصر وعلم بذلك .
وأما الزوج الصبيّ الصغير فلا يجب على وليّه الطواف به على زوجاته لعدم انتفاعهن بوطئه ، وقال بعض الشافعية : لو نام عند بعض زوجاته وطلبت الباقيات بياته عندهن لزم وليه إجابتهن لذلك .
«ب - قسم الزوج المريض»
10 - ذهب الفقهاء إلى أن الزوج المريض يقسم بين زوجاته كالصحيح ، لأن القسم للصّحبة والمؤانسة وذلك يحصل من المريض كما يحصل من الصحيح ، وقد روت عائشة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنه كان يسأل في مرضه الذي مات فيه : أين أنا غداً ، أين أنا غداً ؟ »
واختلفوا فيما لو شق على المريض الطواف بنفسه على زوجاته :
فنقل ابن عابدين عن صاحب البحر قوله : لم أر كيفية قسمه في مرضه حيث كان لا يقدر على التحوّل إلى بيت الأخرى ، والظاهر أن المراد أنه إذا صح ذهب عند الأخرى بقدر ما أقام عند الأولى مريضاً ، ونقل عن صاحب النهر قوله : لا يخفى أنه إذا كان الاختيار في مقدار الدور إليه حال صحته ففي مرضه أولى ، فإذا مكث عند الأولى مدةً أقام عند الثانية بقدرها . قال ابن عابدين : وهذا إذا أراد أن يجعل مدة إقامته دوراً حتى لا ينافي أنه لو أقام عند إحداهما شهراً هدر ما مضى .
وقال المالكية : إذا لم يستطع الزوج الطواف بنفسه على زوجاته لشدة مرضه أقام عند من شاء الإقامة عندها ، أي لرفقها به في تمريضه ، لا لميله إليها فتمتنع الإقامة عندها ، ثم إذا صح ابتدأ القسم .
وقال الشّربينيّ الخطيب : من بات عند بعض نسوته بقرعة أو غيرها لزمه - ولو عنّيناً ومجبوباً ومريضاً - المبيت عند من بقي منهن لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقّه ساقط » .
« وكان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ويطاف به عليهن في مرضه حتى رضين بتمريضه ببيت عائشة رضي الله عنها » ، وفيه دليل على أن العذر والمرض لا يسقط القسم .
وقال الحنابلة : إن شق على الزوج المريض القسم استأذن أزواجه أن يكون عند إحداهن ، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى نسائه فاجتمعن فقال : « إنّي لا أستطيع أن أدور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن فأذن له» ، فإن لم يأذن له أن يقيم عند إحداهن أقام عند من تعيّنها القرعة أو اعتزلهن جميعاً إن أحب ذلك تعديلاً بينهن .
«ج - قسم الزوج المجنون»
11 - ذهب الفقهاء إلى أن المجنون الذي أطبق جنونه لا قسم عليه ; لأنه غير مكلف ، لكن القسم المستحق عليه لزوجاته يطالب به - في الجملة - وليّه ، على التفصيل التالي :
قال المالكية : يجب على وليّ المجنون إطافته على زوجتيه أو زوجاته ، كما يجب عليه نفقتهن وكسوتهن ; لأنه من الأمور البدنية التي يتولى استيفاءها له أو التمكين حتى تستوفى منه كالقصاص ، فهو من باب خطاب الوضع .
وقال الشافعية : لا يلزم الولي الطواف بالمجنون على زوجاته ، أمن منه الضرر أم لا ، إلا إن طولب بقضاء قسم وقع منه فيلزمه الطواف به عليهن قضاءً لحقّهن كقضاء الدين ، وذلك إذا أمن ضرره ، فإن لم يطالب فلا يلزمه ذلك ; لأن لهن التأخير إلى إفاقته لتتم المؤانسة ، ويلزم الولي الطواف به إن كان الجماع ينفعه بقول أهل الخبرة ، أو مال إليه ، فإن ضره الجماع وجب على وليّه منعه منه ، فإن تقطع الجنون وانضبط كيوم ويوم ، فأيام الجنون كالغيبة فتطرح ويقسم أيام إفاقته ، وإن لم ينضبط جنونه وأباته الوليّ في الجنون مع واحدة وأفاق في نوبة الأخرى قضى ما جرى في الجنون لنقصه .
وقال الحنابلة : المجنون المأمون الذي له زوجتان فأكثر يطوف به وليّه وجوباً عليهن ، لحصول الأنس به ، فإن خيف منه لكونه غير مأمون فلا قسم عليه لأنه لا يحصل منه أنس لهن، فإن لم يعدل الوليّ في القسم ثم أفاق الزوج من جنونه قضى للمظلومة ما فاتها استدراكاً لظلامته ، لأنه حقّ ثبت في ذمته فلزمه إيفاؤه حال الإفاقة كالمال .
«الزوجة التي تستحقّ القسم»
12 - يستحقّ القسم للزوجات المطيقات للوطء ، مسلمات أو كتابيات أو مختلفات ، حرائر أو إماء أو مختلفات ، وإن امتنع الوطء شرعاً كمحرمة ، وحائض ونفساء ومظاهر منها ومولىً منها ، أو امتنع عادةً كرتقاء ، أو امتنع طبعاً كمجنونة مأمونة ، ولا فرق بين مريضة وصحيحة، وصغيرة يمكن وطؤها وكبيرة ، وقسم الزوج لذوات الأعذار من الزوجات كما يقسم لغيرهن ; لأن الغرض من القسم الصّحبة والمؤانسة والسكن والإيواء والتحرّز عن التخصيص الموحش ، وحاجتهن داعية إلى ذلك ، والقسم من حقوق النّكاح ولا تفاوت بين الزوجات فيها ; لأن النّصوص الواردة بالعدل بين الزوجات والنهي عن الميل في القسم جاءت مطلقةً ، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن القسم بين المسلمة والذّمّية سواء ; ولأن القسم من حقوق الزوجية فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسّكنى .
وانظر مصطلح « رقّ ف /85 » .
لكن القسم في بعض الزوجات فيه مزيد تفصيل ومن ذلك :
«أ - القسم للمطلقة الرجعية»
13 - ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه ليس على الزوج أن يقسم لمطلقته الرجعية مع سائر زوجاته ; لأنها ليست زوجةً من كلّ وجه .
وذهب الحنفية إلى أن الزوج يقسم لمطلقته الرجعية مع غيرها من زوجاته وذلك إن قصد رجعتها ، وإلا فلا .
«ب - القسم للزوجة المعتدة من وطء شبهة»
14 - ذهب الشافعية إلى أن الزوجة المعتدة من وطء بشبهة لا يقسم لها الزوج ; لأن القسم للسكن والأنس والإيواء ، وهي في عدتها لا يحلّ لزوجها الخلوة بها ، بل يحرم .
واختلف الحنفية في القسم لها ، فنقل ابن عابدين صورةً من هذا الخلاف في قوله : قال في النهر : وعندي أنه يجب - أي القسم - للموطوءة بشبه أخذاً من قولهم إنه لمجرد الإيناس ودفع الوحشة ، واعترضه الحمويّ بأن الموطوءة بشبهة لا نفقة لها على زوجها في هذه العدة، ومعلوم أن القسم عبارة عن التسوية في البيتوتة والنفقة والسّكنى ، وزاد بعض الفضلاء أنه يخاف من القسم لها الوقوع في الحرام ; لأنها معتدة للغير ويحرم عليه مسّها وتقبيلها ، فلا يجب لها .
«القسم للزوجة الجديدة»
15 - اختلف الفقهاء في القسم للزوجة الجديدة لمن عنده زوجة أو زوجات غيرها ، هل يقسم لها قسماً خاصّاً ، أم تدخل في دور القسم كغيرها من الزوجات ؟
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الزوجة الجديدة - حرةً كانت أو أمةً - تختصّ بسبع ليال بلا قضاء للباقيات إن كانت بكراً ، وبثلاث ليال بلا قضاء إن كان ثيّباً ، وذلك لحديث : « للبكر سبع ، وللثيّب ثلاث » ، واختصت الزوجة الجديدة بذلك للأنس ولزوال الحشمة ، ولهذا سوى الشرع بين الحرة والأمة ، والمسلمة والكتابية في ذلك ; لأن ما يتعلق بالطبع لا يختلف بالرّقّ والحرّية ولا باختلاف الدّين ، وزيد للبكر الجديدة ; لأن حياءها أكثر ; ولأنها لم تجرّب الرّجال فتحتاج إلى إمهال وجبر وتأنّ ، أما الثيّب فإنها استحدثت الصّحبة فأكرمت بزيادة الوصلة وهي الثلاث .
واختصاص الزوجة الجديدة - بكراً أو ثيّباً - بهذا القسم هو حقّ لها على الصحيح عند المالكية، وهو واجب عند الشافعية ، ومن السّنة عند الحنابلة .
ويستحبّ للزوج أن يخيِّر زوجته الجديدة إن كانت ثيّباً بين ثلاث بلا قضاء للزوجات الباقيات وبين سبع مع قضاء لهن ، اقتداءً بفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم مع زوجته أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها حيث قال لها : « إن شئت سبعت عندك ، وإن شئت ثلثت ثم درت » وفي لفظ : « إن شئت أن أسبِّع لك ، وأسبِّع لنسائي ، وإن سبَّعت لك ، سبَّعت لنسائي » أي بلا قضاء بالنّسبة للثلاث وإلا لقال : « وثلثت لنسائي » كما قال : « وسبعت لنسائي » .
وإن تزوج امرأتين - بكرين كانتا أو ثيبتين أو بكراً وثيّباً - فزفتا إليه في ليلة واحدة ..
فقال الشافعية والحنابلة : يكره ذلك ; لأنه لا يمكنه الجمع بينهما في إيفاء حقّهما وتستضرّ التي يؤخّر حقها وتستوحش . ويقدّم أسبقهما دخولاً فيوفيها حق العقد ; لأن حقها سابق ، ثم يعود إلى الثانية فيوفيها حق العقد ; لأن حقها واجب عليه ترك العمل به في مدة الأولى لأن حق الأولى عارضه ورجّح عليه ، فإذا زال المعارض وجب العمل بالمقتضى .
ثم يبتدئ القسم بين زوجاته ليأتي بالواجب عليه من حقّ الدور ، فإن أدخلتا عليه في وقت واحد قدم إحداهما بالقرعة ; لأنهما استوتا في سبب الاستحقاق والقرعة مرجّحة عند التساوي .
وإن زفت إليه امرأة في مدة حقّ عقد امرأة زفت إليه قبلها تمم للأولى حق عقدها لسبقها ، ثم قضى حق عقد الثانية لزوال المعارض . ولو زفت إليه جديدة وله زوجتان قد وفاهما حقهما ، وفَّى الجديدة حقها واستأنف بعد ذلك القسم بين الجميع بالقرعة .
16 - وإن أراد من زفت إليه امرأتان معاً السفر بإحدى نسائه فأقرع بينهن فخرجت القرعة لإحدى الجديدتين سافر بها ، ودخل حقّ العقد في قسم السفر ; لأنه نوع قسم يختصّ بها ، فإذا قدم من سفره بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد ; لأنه حقّ وجب لها ولم يؤدّه فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه ، فإن قدم من سفره قبل مضيّ مدة ينقضي فيها حقّ الأولى تممه في الحضر وقضى للحاضرة حقها ، فإن خرجت القرعة لغير الجديدتين وسافر بها قضى للجديدتين حقهما واحدةً بعد واحدة ، يقدّم السابقة دخولاً إن دخلت عليه إحداهما قبل الأخرى ، أو بقرعة إن دخلتا معاً ، وإن سافر بجديدة وقديمة بقرعة أو رضاً تمم للجديدة حق العقد ثم قسم بينها وبين الأخرى على السواء .
وقيد المالكية في المشهور من مذهبهم حق الزوجة الجديدة - بكراً أو ثيّباً - في هذا القسم بما إذا تزوجها الرجل على غيرها ، ومقابل المشهور عندهم أن الزوجة الجديدة لها هذا القسم مطلقاً . تزوجها على غيرها أم لا .
واختلف المالكية فيما تقدم به إحدى الزوجتين الجديدتين إن زفتا إلى الزوج في ليلة واحدة : فقال اللخميّ عن ابن عبد الحكم يقرع بينهما ، وقبله عبد الحقّ ، وفي أحد قولي مالك : إن الحق للزوج فهو مخير دون قرعة ، وقال ابن عرفة : الأظهر أنه إن سبقت إحداهما بالدّعاء للبناء قدّمت ، وإلا فسابقة العقد ، وإن عقدتا معاً فالقرعة .
وذهب الحنفية إلى أنه لا حق للزوجة الجديدة في زيادة قسم تختصّ به ، وقالوا : البكر والثيّب والقديمة والجديدة سواء في القسم ، لقوله تعالى : « وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ » وغايته القسم ، ولإطلاق أحاديث النهي عن الجور في القسم ; ولأن القسم من حقوق النّكاح ولا تفاوت بين الزوجات في ذلك ; ولأن الوحشة في الزوجة القديمة متحقّق حيث أدخل عليها من يغيظها وهي في الجديدة متوهمة ; ولأن للقديمة زيادة حرمة بالخدمة ، وإزالة الوحشة والنّفرة عند الجديدة تمكن بأن يقيم عندها السبع ثم يسبّع للباقيات ولم تنحصر في تخصيصها بالزّيادة .
«بدء القسم وما يكون به»
17 - اختلف الفقهاء في الوقت الذي يبدأ فيه الزوج القسم بين زوجاته ، وفيما يكون به الابتداء :
قال الحنفية والمالكية وهو مقابل الصحيح عند الشافعية : الرأي في البداءة في القسم إلى الزوج.
وأضاف المالكية : وندب الابتداء في القسم بالليل ; لأنه وقت الإيواء للزوجات ، ويقيم القادم من سفر نهاراً عند أيتهن أحب ولا يحسب ، ويستأنف القسم بالليل لأنه المقصود ، ويستحبّ أن ينزل عند التي خرج من عندها ليكمل لها يومها .
وذهب الشافعية - في الصحيح عندهم - والحنابلة إلى وجوب القرعة على الزوج بين الزوجات للابتداء إن تنازعن فيه ، وليس له إذا أراد الشّروع في القسم البداءة بإحداهن إلا بقرعة أو برضاهن ; لأن البداءة بإحداهن تفضيل لها على غيرها ، والتسوية بينهن واجبة ، ولأنهن متساويات في الحقّ ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة إن لم يرضين ، فيبدأ بمن خرجت قرعتها ، فإذا مضت نوبتها أقرع بين الباقيات ، ثم بين الأخريين ، فإذا تمت النوبة راعى الترتيب ولا حاجة إلى إعادة القرعة ، بخلاف ما إذا بدأ بلا قرعة فإنه يقرع بين الباقيات، فإذا تمت النوبة أقرع للابتداء .
وقالوا : للزوج أن يرتّب القسم على ليلة ويوم قبلها أو بعدها ; لأن المقصود حاصل بكلّ ولا يتفاوت ، لكن تقديم الليل أولى ; لأن النهار تابع لليل وللخروج من خلاف من عينه .
«الأصل في القسم»
18 - الأصل في القسم وعماده الليل ، وذلك باتّفاق الفقهاء ; لأنهم قالوا : التسوية الواجبة في القسم تكون في البيتوتة ; ولأن الليل للسكن والإيواء ، يأوي فيه الرجل إلى منزله ، ويسكن إلى أهله ، وينام في فراشه مع زوجته عادةً ، والنهار وقت العمل لكسب الرّزق والانتشار في الأرض طلباً للمعاش ، قال الله تعالى : « وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً ، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً » ، وقال سبحانه : « هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً » .
وفصل الشافعية والحنابلة ، ووافقهم بعض الحنفية ، فقالوا : الأصل في القسم لمن عمله الليل وكان النهار سكنه كالحارس ونحوه يكون النهار ; لأنه وقت سكونه ، وأما الليل فإنه وقت عمله، والأصل في القسم لمسافر وقت نزوله ; لأنه وقت خلوته ليلاً كان أو نهاراً ، قل أو كثر ، وإن تفاوت حصل لواحدة نصف يوم ولأخرى ربع يوم ، فلو كانت خلوته وقت السير دون وقت النّزول - كأن كان بمحفة وحالة النّزول يكون مع الجماعة في نحو خيمة - كان هو وقت القسم، والأصل في القسم لمجنون وقت إفاقته ، أو كما قال الشافعيّ : إنما القسم على المبيت كيف كان المبيت .
والنهار يدخل في القسم تبعاً لليل ، لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : « توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي » ، وإنما قبض النبيّ صلى الله عليه وسلم نهاراً ، ويتبع اليوم ، الليلة الماضية أي التي سبقت ذلك اليوم ، وإن أحب الزوج أن يجعل النهار في القسم لزوجاته مضافاً إلى الليل الذي بعده جاز له ذلك ; لأنه لا يتفاوت ، والغرض العدل بين الزوجات وهو حاصل بذلك .
«مدة القسم»
19 - صرح الفقهاء بأن أقل نوب القسم لمن عمله نهاراً ليلة ، فلا يجوز ببعضها لما في التبعيض من تشويش العيش وتنغيصه ، إلا أن ترضى الزوجات بذلك .
واختلفوا في أكثر مدة القسم ، أي أكثر مقدار النوبة الواحدة من القسم ، على أقوال :
فذهب المالكية والحنابلة في المعتمد عندهم إلى أن القسم بين الزوجات يكون ليلةً وليلةً ولا يزيد على ذلك إلا برضاهن ، فإن رضين بالزّيادة على ذلك جاز ; لأن الحق لهن لا يعدوهن ، واستدلّوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قسم ليلةً وليلةً ولأن التسوية بينهن واجبة ، وإنما جوّزت البداءة بواحدة لتعذّر الجمع ، فإذا بات عند واحدة تعينت الليلة الثانية حقّاً للأخرى فلم يجز جعلها للأولى بغير رضاها ; ولأن الزوج إن قسم ليلتين وليلتين أو أكثر كان في ذلك تأخير لحقّ من لها الليلة الثانية ، وتأخير حقوق بعضهن لا يجوز بغير رضاهن ; ولأنه إذا كان له أربع نسوة فجعل لكلّ واحدة منهن ثلاثاً حصل تأخير الرابعة تسع ليال وذلك كثير فلم يجز كما لو كان له امرأتان فأراد أن يجعل لكلّ واحدة تسعاً ; ولأن للتأخير آفات فلا يجوز مع إمكان التعجيل بغير رضا المستحقّ كتأخير الدين الحالّ .
ونقل الحطاب عن الجواهر أن الزوج لا يزيد في القسم على ليلة إلا أن ترضى الزوجات ويرضى بالزّيادة ، أو يكن في بلاد متباعدة فيقسم الجمعة أو الشهر على حسب ما يمكنه بحيث لا يناله ضرر لقلة المدة ، ونقل عن اللخميّ أن الرجل إن كانت له زوجتان ببلدين جاز قسمه جمعةً وشهراً وشهرين على قدر بعد الموضعين مما لا يضرّ به ، ولا يقيم عند إحداهن إلا لتجرٍ أو ضيعة .
وذهب الحنفية وهو وجه شاذّ عند الشافعية إلى أن تحديد الدور إلى الزوج إن شاء حدده بيوم أو يومين أو أكثر ، وله الخيار في ذلك ; لأن المستحق عليه التسوية وقد وجدت . لكن الكمال بن الهمام عقب على ذلك بقوله : لو أراد أن يدور سنةً سنةً ما يظنّ إطلاق ذلك له ، بل ينبغي أن لا يطلق له مقدار مدة الإيلاء وهو أربعة أشهر ، وإذا كان وجوبه للتأنيس ودفع الوحشة وجب أن تعتبر المدة القريبة وأظنّ أكثر من جمعة مضارةً إلا أن ترضيا به .
وقال الحصكفيّ والتمرتاشي نقلاً عن الخلاصة : يقيم عند كلّ واحدة منهن يوماً وليلةً ، وإن شاء ثلاثة أيام ولياليها ولا يقيم عند إحداهن أكثر إلا بإذن الأخرى .
وذهب الشافعية في المذهب عندهم والقاضي من الحنابلة إلى أن الأولى للزوج أن يقسم بين زوجاته ليلةً ليلةً .. اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ; ولأن ذلك أقرب لعهدهن به ، وأدنى إلى التسوية في إيفاء الحقوق ، فإن قسم ليلتين أو ثلاثاً جاز ; لأنه في حدّ القليل ، وإن زاد على الثلاث حرم ولم يجز من غير رضاهن ، لأن فيه تغريراً بحقوقهن .
ومقابل المذهب عند الشافعية أنه تكره الزّيادة على الثلاث .
«الخروج في نوبة زوجة والدّخول على غيرها»
20 - اتفق الفقهاء على أن من له أكثر من زوجة عليه أن يوفي كل واحدة منهن قسمها دون نقص أو تأخير ، لأن هذا من العدل الواجب عليه في القسم بينهن ، ولكنهم اختلفوا في خروج الزوج في نوبة إحدى زوجاته - ليلاً أو نهاراً - ودخوله على غيرها كذلك ليلاً أو نهاراً ، ولهم في ذلك تفصيل على النحو التالي :
قال الشافعية والحنابلة : إن خرج الزوج الذي عماد قسمه الليل من عند بعض نسائه في زمانها، فإن كان ذلك في النهار أو أول الليل أو آخره مما جرت العادة بالانتشار فيه والخروج إلى الصلاة جاز ، وإن خرج في غير ذلك من الليل ولم يلبث أن عاد لم يقض لمن خرج من عندها هذا الوقت للمسامحة به ; ولأنه لا فائدة في قضائه لقصره ، وإن طال زمن خروجه قضاه ، سواء أكان لعذر أم لغير عذر ; لأنه مع طول الزمن لا يسمح به عادةً ، فيكون حقّها قد فات بغيبته عنها ، وحقّ الآدميّ لا يسقط ولو بعذر إلا بإسقاط صاحبه ... فوجب القضاء .
وليس لهذا الزوج دخول في نوبة زوجة على غيرها ليلاً ، لما فيه من إبطال حقّ صاحبة النوبة، إلا لضرورة كمرضها المخوف وشدة الطلق وخوف النهب والحرق ، وحينئذ إن طال مكثه عرفاً قضى لصاحبة النوبة من نوبة المدخول عليها مثل مكثه ، وإن لم يطل مكثه فلا يقضي ، وإذا تعدى بالدّخول قضى إن طال مكثه وإلا فلا قضاء ، وأثم .
وإن دخل الزوج في نوبة إحدى زوجاته على غيرها نهاراً فإنه يجوز لحاجة ; لأنه يتسامح فيه ما لا يتسامح في الليل ، فيدخل لوضع متاع ونحوه كتسليم نفقة وتعرّف خبر وعيادة .. لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها : « وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً ، فيدنو من كلّ امرأة من غير مسيس ، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها» ، فإذا دخل لشيء من ذلك لم يطل مكثه عن قدر الحاجة ولم يجامع .
قال الشافعية : ينبغي أن لا يطول مكثه ، أي يجوز له تطويل المكث لكنه خلاف الأولى ، وذهب بعضهم إلى وجوب عدم تطويل المكث لأن الزائد على الحاجة كابتداء دخول لغيرها وهو حرام ، والصحيح أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة وإن طال الزمن ; لأن النهار تابع مع وجود الحاجة . وفي مقابل الصحيح يجب قضاء المدة - إن طالت - دون الجماع ، ووفق بعضهم بين القولين بحمل الأول على ما إذا طالت بقدر الحاجة ، والثاني على ما إذا طالت فوق الحاجة .
والصحيح - عندهم - أيضاً أن له ما سوى الوطء من استمتاع .. للحديث السابق ; ولأن النهار تابع ، والقول الثاني : لا يجوز ، أما الوطء فإنه لا يجوز لغير صاحبة النوبة ، سواء أكان ليلاً أم نهاراً .
وقال الحنابلة : إن أطال المقام عند غير صاحبة النوبة قضاه ، وإن استمتع بها بما دون الفرج ففيه وجهان : أحدهما يجوز لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها ، والثاني لا يجوز لأنه يحصل لها به السكن ، وإن دخل عليها فجامعها في الزمن اليسير - ليلاً أو نهاراً - ففيه وجهان : أحدهما لا يلزمه قضاؤه ، لأن الوطء لا يستحقّ في القسم ، والزمن اليسير لا يقضى . والثاني : يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها فيعدل بينهما .. ولأن اليسير مع الجماع يحصل به السكن فأشبه الكثير .
وقال الحنفية : يلزم الزوج التسوية بين زوجاته في الليل ، حتى لو جاء للأولى بعد الغروب وللثانية بعد العشاء فقد ترك القسم ، ولا يجامعها في غير نوبتها ، ولا يدخل عليها إلا لعيادتها، ولو اشتد مرضها - ففي الجوهرة - لا بأس أن يقيم عندها حتى تشفى أو تموت ، يعني إذا لم يكن عندها من يؤنسها .
والنوبة لا تمنع أن يذهب إلى الأخرى لينظر في حاجتها ويمهّد أمورها ، وفي صحيح مسلم
« أنهن كن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها » ، والذي يظهر أن هذا جائز برضاء صاحبة النوبة إذ قد تتضيق لذلك .
وقال المالكية : لا يدخل الزوج في يوم إحدى زوجاته على ضرتها ، أي يمنع ، إلا لحاجة غير الاستمتاع كمناولة ثوب ونحوه فيجوز له ولو أمكنه الاستنابة فيها على الأشبه بالمذهب . ولمالك لا بد من عسر الاستنابة فيها ، وعمم ابن ناجي دخوله لحاجة في النهار والليل مخالفاً لشيخه في تخصيص الجواز بالنهار ، وللزوج وضع ثيابه عند واحدة دون الأخرى لغير ميل ولا إضرار ، ولا يقيم عند من دخل عندها إلا لعذر لا بد منه ، وجاز في يومها وطء ضرتها بإذنها ، ويجوز من غير حاجة السلام بالباب من خارجه في غير يومها ، وتفقّد شأنها من غير دخول إليها ولا جلوس عندها على المذهب ، ولا بأس بأكل ما بعثت إليه بالباب لا في بيت الأخرى لما فيه من أذيتها .
«ذهاب الزوج إلى زوجاته ودعوتهن إليه»
21 - اتفق الفقهاء - في الجملة - على أن الأولى في حالة تعدّد الزوجات أن يكون لكلّ منهن مسكن يأتيها الزوج فيه اقتداءً بفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم حيث كان يقسم لنسائه في بيوتهن ; ولأنه أصون وأستر حتى لا تخرج النّساء من بيوتهن ، ويجوز للزوج - إن انفرد بمسكن - أن يدعو إليه كل واحدة من زوجاته في ليلتها ليوفيها حقها من القسم .
لكن للفقهاء فيما وراء ذلك تفصيلاً يحسن عرضه :
قال الحنفية : لو مرض الزوج في بيته دعا كل واحدة في نوبتها ; لأنه لو كان صحيحاً وأراد ذلك ينبغي أن يقبل منه .
وقال المالكية : جاز للزوج برضاء زوجاته طلبه منهن الإتيان للبيات معه بمحلّه المختصّ به ، ولا ينبغي له هذا إذ السّنة دورانه هو عليهن في بيوتهن « لفعله صلى الله عليه وسلم » ، فإن رضي بعضهن لم يلزم باقيهن ، بل نص بعض المالكية على أنه يقضى على الزوج أن يدور عليهن في بيوتهن ولا يأتينه إلا أن يرضين .
وقال الشافعية : إن لم ينفرد الزوج بمسكن وأراد القسم دار عليهن في بيوتهن توفيةً لحقّهن ، وإن انفرد بمسكن فالأفضل المضيّ إليهن صوناً لهن ، وله دعاؤهن بمسكنه ، وعليهن الإجابة ; لأن ذلك حقّه ، فمن امتنعت وقد لاق مسكنه بها فيما يظهر فهي ناشزة إلا ذات خفر - قال الشبراملسي : أي شرف - لم تعتد البروز فيذهب لها كما قال الماورديّ واستحسنه الأذرعيّ وغيره ، وإلا نحو معذورة بمرض فيذهب أو يرسل لها مركباً إن أطاقت مع ما يقيها من نحو مطر .
والأصحّ تحريم ذهابه إلى بعضهن ودعاء غيرهن إلى مسكنه لما فيه من الإيحاش ، ولما في تفضيل بعضهن على بعض ، من ترك العدل ، إلا لغرض كقرب مسكن من مضى إليها ، أو خوف عليها لنحو شباب دون غيرها فلا يحرم . والضابط أن لا يظهر منه التفضيل والتخصيص، ويحرم أن يقيم بمسكن واحدة ويدعو الباقيات إليه بغير رضاهن ، ولو لم تكن هي فيه حال دعائهن ، فإن أجبن فلها المنع ، وإن كان البيت ملك الزوج لأن حق السّكنى فيه لها .
وقال الحنابلة : إن اتخذ الزوج لنفسه مسكناً غير مساكن زوجاته يدعو إليه كل واحدة في ليلتها ويومها ويخليه من ضرتها جاز له ذلك ، لأن له نقل زوجته حيث شاء بمسكن يليق بها ، وله دعاء بعض الزوجات إلى مسكنه والذهاب إلى مسكن غيرهن من الزوجات ; لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء ، وإن امتنعت من دعاها عن إجابته وكان ما دعاها إليه مسكن مثلها سقط حقّها من القسم لنشوزها ، وإن أقام عند واحدة ودعا الباقيات إلى بيتها لم يجب عليهن الإجابة لما بينهن من غيرة والاجتماع يزيدها .
«القرعة للسفر»
22 - اختلف الفقهاء في الرجل يريد السفر بإحدى زوجاته ، هل له ذلك ، أم لا بد من رضا سائر الزوجات أو القرعة ؟
فذهب الحنفية والمالكية في الجملة إلى أن للزوج السفر بمن شاء من زوجاته دون قرعة أو رضا سائر الزوجات ، لكن لكلّ منهم تفصيلاً :
فقال الحنفية : لا حق للزوجات في القسم حالة السفر ، فيسافر الزوج بمن شاء منهن .
والأولى أن يقرع بينهن فيسافر بمن خرجت قرعتها ، تطييباً لقلوبهن ; ولأنه قد يثق بإحدى الزوجات في السفر وبالأخرى في الحضر والقرار في المنزل لحفظ الأمتعة أو لخوف الفتنة ، وقد يمنع من سفر إحداهن كثرة سمنها مثلاً ، فتعيين من يخاف صحبتها في السفر للسفر لخروج قرعتها إلزام للضرر الشديد وهو مندفع بالنافي للحرج .
وقال المالكية : إن أراد الزوج أن يسافر بإحدى زوجتيه أو زوجاته اختار من تصلح لإطاقتها السفر أو لخفة جسمها أو نحو ذلك لا لميله إليها ، إلا في سفر الحجّ والغزو فيقرع بينهما أو بينهن لأن المشاحة تعظم في سفر القربات ، وشرط الإقراع صلاح جميعهن للسفر ، ومن اختار سفرها أو تعين بالقرعة أجبرت عليه إن لم يشق عليها أو يكون سفرها معرةً عليها ، ومن أبت لغير عذر سقطت نفقتها .
واتفق الشافعية والحنابلة على أن الزوج لا يجوز له أن يسافر ببعض زوجاته - واحدةً أو أكثر- إلا برضاء سائرهن أو بالقرعة ، وذلك في الأسفار الطويلة المبيحة لقصر الصلاة ، وكذا في الأسفار القصيرة في الأصحّ عند الشافعية والحنابلة قالوا : لا فرق بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى ، ومقابل الأصحّ عند الشافعية وهو قول القاضي من الحنابلة : أنه ليس للزوج أن يستصحب بعض زوجاته بالقرعة في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة ، وليس للمقيم تخصيص بعضهن بالقرعة ، فإن فعل قضى للبواقي .
واستدل الشافعية والحنابلة على وجوب القرعة لتعيين إحدى الزوجات للسفر مع الزوج بما روت عائشة رضي الله تعالى عنها : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ، وأيتهن خرج سهمها خرج بها معه » ، كما استدلّوا على القرعة لتعيين أكثر من واحدة للسفر مع الزوج إن أراد ذلك بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه ، فصارت القرعة لعائشة وحفصة » وقالوا : إن المسافرة ببعض الزوجات من غير قرعة تفضيل لمن سافر بها فلم يجز من غير قرعة .
وقالوا : إذا سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن في القسم في السفر كما يسوّي بينهن في الحضر.
واتفق الشافعية والحنابلة على أنه إذا خرجت القرعة لإحدى الزوجات لم يجب على الزوج السفر بها ، وله تركها والسفر وحده ; لأن القرعة لا توجب وإنما تعيّن من تستحقّ التقديم ، وإن أراد السفر بغيرها لم يجز ; لأنها تعينت بالقرعة فلم يجز العدول عنها إلى غيرها ، وإن امتنعت من السفر مع الزوج سقط حقّها إذا رضي الزوج ، وإن لم يرض الزوج بامتناعها فله إكراهها على السفر معه لأنه يجب عليها إجابته ، فإن رضي بامتناعها استأنف القرعة بين البواقي لتعيين من تسافر معه .
ونص الحنابلة على أن من خرجت لها القرعة إن وهبت حقها من ذلك لغيرها من الزوجات جاز إن رضي الزوج ; لأن الحق لها فصحت هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ، ولا يجوز بغير رضا الزوج لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه ، وإن وهبته للزوج أو لسائر الزوجات جاز .
وقال الشافعية والحنابلة : إن رضيت الزوجات كلّهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز ; لأن الحق لهن إلا أن لا يرضى الزوج بها فيصار إلى القرعة ، ونص الشافعية على أن الزوجات إن رضين بواحدة فلهن الرّجوع قبل سفرها ، قال الماورديّ : وكذا بعده ما لم يجاوز مسافة القصر، أي يصل إليها .
وقالوا : لو أقرع الزوج بين نسائه على سفر فخرج سهم واحدة فخرج بها ، ثم أراد سفراً آخر قبل رجوعه من ذلك السفر كان ذلك كلّه كالسفر الواحد ، ما لم يرجع ، فإذا رجع فأراد سفراً أقرع .
وقالوا : لو سافر بواحدة من نسائه أو أكثر بقرعة أو برضاهن لا يلزمه القضاء للحاضرات ، سواء طال سفره أو قصر ; لأن التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بإزاء ما حصل لها من السكن ، ولا يحصل لها من السكن مثل ما يحصل لمن في الحضر ، أي أن المقيمة في الحضر التي لم تسافر مع زوجها وإن فاتها حظّها من زوجها أثناء سفره مع غيرها من الزوجات ، فقد ترفهت بالدعة والإقامة فتقابل الأمران فاستويا ، ولو سافر الزوج بواحدة أو أكثر من زوجاته دون رضاهن أو القرعة أثم ، وقضى للأخريات مدة السفر .
وقالوا : إن خرج بإحداهن بقرعة ثم أقام قضى مدة الإقامة لخروجها عن حكم السفر ، وذلك إذا ساكن المصحوبة ، أما إذا اعتزلها مدة الإقامة فلا يقضي .
وقالوا : من سافر لنقلة حرم عليه أن يستصحب بعضهن دون بعض ولو بقرعة ، بل ينقلهن أو يطلّقهن ، وإن أراد الانتقال بنسائه فأمكنه استصحابهن كلّهن في سفره فعل ولم يكن له إفراد إحداهن به ; لأن هذا السفر لا يختصّ بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن ، فإن خص إحداهن بالسفر معه قضى للباقيات ، وإن لم يمكنه صحبة جميعهن أو شق عليه ذلك وبعث بهن جميعاً مع غيره ممن هو محرم لهن جاز ، ولا يقضي لأحد ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن ، وإن أراد إفراد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة ، فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات .
ونص الشافعية على أن السفر الذي تتعلق به هذه الأحكام هو السفر المباح ، أما غيره فليس للزوج أن يستصحب فيه بعضهن بقرعة ولا بغيرها ، فإن فعل عصى ولزمه القضاء للزوجات الباقيات .
«قضاء ما فات من القسم»
23 - اتفق الفقهاء على أن العدل في القسم بين الزوجات واجب على الزوج ، فإن جار الزوج وفوت على إحداهن قسمها فقد اختلفوا في قضاء ما فات من القسم :
فقال الحنفية والمالكية : لا يقضي الزوج المبيت الذي كان مستحقّاً لإحدى زوجاته ولم يوفه لها; لأن القصد من المبيت دفع الضرر وتحصين المرأة وإذهاب الوحشة ، وهذا يفوت بفوات زمنه ، فلا يجعل لمن فاتت ليلتها ليلةً عوضاً عنها لأنه حينئذ يظلم صاحبة تلك الليلة التي جعلها عوضاً; ولأن المبيت لا يزيد على النفقة وهي تسقط بمضيّ المدة عند الحنفية .
وقال الشافعية والحنابلة : على الزوج أن يقضي ما فات من القسم للزوجة إذا لم يكن ذلك بسبب من جانبها كنشوزها أو إغلاقها بابها دونه ومنعها إياه من الدّخول عليها في نوبتها .
وأسباب فوات القسم متعدّدة : فقد يسافر الزوج بإحدى الزوجات فيفوت القسم لسائرهن .. وقد سبق بيان حكم القضاء لهن تفصيلاً .
وقد يتزوج الرجل أثناء دورة القسم لزوجاته وقبل أن يوفي نوبات القسم المستحقة لهن ، فيقطع الدورة ليختص الزوجة الجديدة بقسم النّكاح ، مما يترتب عليه فوات نوبة من لم يأت دورها فيجب القضاء لها .. وقد سبق بيان ذلك .
وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بسفرها ، وفي ذلك تفصيل عند الشافعية والحنابلة :
قالوا : إن سافرت بغير إذنه لحاجتها أو حاجته أو لغير ذلك فلا قسم لها ; لأن القسم للأنس وقد امتنع بسبب من جهتها فسقط ، وإن سافرت بإذنه لغرضه أو حاجته فإنه يقضي لها ما فاتها بحسب ما أقام عند ضرتها لأنها سافرت بإذنه ولغرضه ، فهي كمن عنده وفي قبضته وهو المانع نفسه بإرسالها ، وإن سافرت بإذنه لغرضها أو حاجتها لا يقضي لها « عند الحنابلة وفي الجديد عند الشافعية » لأنها فوتت حقه في الاستمتاع بها ولم تكن في قبضته ، وإذنه لها بالسفر رافع للإثم خاصةً .
وأضاف الشافعية : لو سافرت لحاجة ثالث - غيرها وغير الزوج - قال الزركشيّ : فيظهر أنه كحاجة نفسها ، وهو - كما قال غيره - ظاهر إذا لم يكن خروجها بسؤال الزوج لها فيه ، وإلا فيلحق بخروجها لحاجته بإذنه ، ولو سافرت وحدها بإذنه لحاجتهما معاً لم يسقط حقّها كما قال الزركشيّ وغيره بالنّسبة للنفقة ومثلها القسم ، خلافاً لما بحثه ابن العماد من السّقوط .
وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بتخلّف الزوج عن المبيت عندها في نوبتها أو بخروجه أثناء نوبتها ، فإن كان الفوات للنوبة بكاملها وجب قضاؤها كاملةً ، وإن كان الفوات لبعض النوبة كأن خرج ليلاً - فيمن عماد قسمه الليل - وطال زمن خروجه ولو لغير بيت الضرة . . فإنه يجب القضاء وإن أكره على الخروج .
«تنازل الزوجة عن قسمها»
24 - اتفق الفقهاء على أنه يجوز لإحدى زوجات الرجل أن تتنازل عن قسمها ، أو تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها أو لهن جميعاً ، وذلك برضا الزوج ; لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه لأنها لا تملك إسقاط حقّه في الاستمتاع بها ، فإذا رضيت هي والزوج جاز ; لأن الحق في ذلك لهما لا يخرج عنهما ، فإن أبت الموهوبة قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع بها في كلّ وقت ثابت وإنما منعته المزاحمة بحقّ صاحبتها، فإن زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقّه في الاستمتاع بها وإن كرهت كما لو كانت منفردةً ، وقد ثبت « أن سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها وهبت يومها لعائشة رضي الله تعالى عنها ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة » .
ويعلّق الشافعية على هذه الهبة بقولهم : هذه الهبة ليست على قواعد الهبات ، ولهذا لا يشترط قبول الموهوب لها أو رضاها ، بل يكفي رضا الزوج ; لأن الحق مشترك بين الواهبة وبينه ، إذ ليس لنا هبة يقبل فيها غير الموهوب له مع تأهّله للقبول إلا هذه .
وقال الشافعية والحنابلة : إن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها ، ووافق الزوج ، صار القسم بينهن، كما لو طلق الواهبة ، وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء : إن أراد جعلها للجميع ، أو خص بها واحدةً منهن ، أو جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض .
وقيل - عند الشافعية - ليس للزوج أن يجعل الليلة الموهوبة له حيث شاء من بقية الزوجات ، بل يسوّي بينهن ولا يخصّص ; لأن التخصيص يورث الوحشة والحقد ، فتجعل الواهبة كالمعدومة .
وعند الشافعية كذلك أن إحدى الزوجات لو وهبت ليلتها للزوج ولبعض الزوجات ، أو له وللجميع ، فإن حقها يقسم على الرّءوس ، كما لو وهب شخص عيناً لجماعة .
وقال الشافعية والحنابلة : إن وهبت إحدى الزوجات ليلتها لواحدة جاز ، ثم إن كانت تلك الليلة تلي ليلة الموهوبة والى بينهما ، وإن كانت لا تليها لم يجز الموالاة بينهما إلا برضاء الباقيات ، ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة ; لأن الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها كما لو كانت باقيةً للواهبة ; ولأن في ذلك تأخير حقّ غيرها وتغييراً لليلتها بغير رضاها فلم يجز ، وكذلك الحكم إذا وهبتها للزوج فآثر بها امرأةً منهن بعينها .
وفي قول عند الشافعية ووجه عند الحنابلة أنه يجوز للزوج أن يوالي بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق .
وللزوجة الواهبة الرّجوع متى شاءت فإذا رجعت انصرف الرّجوع من حينه إلى المستقبل ; لأنها هبة لم تقبض فلها الرّجوع فيها ، وليس لها الرّجوع فيما مضى لأنه بمنزلة المقبوض ، ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها ، فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئاً لأن التفريط منها .
ونص بعض الحنفية على ما يوافق الشافعية والحنابلة في المسائل السابقة .
«العوض للتنازل عن القسم»
25 - اختلف الفقهاء في أخذ الزوجة المتنازلة عن قسمها عوضاً على ذلك .
فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز لها ذلك ، لا من الزوج ولا من الضرائر ، فإن أخذت لزمها ردّه واستحقت القضاء ; لأن العوض لم يسلم لها ، وإنما لم يجز أخذ العوض عن قسمها لأنه ليس بعين ولا منفعة ; ولأن مقام الزوج عندها ليس بمنفعة ملكتها .
وأضاف الحنابلة : إن كان العوض غير المال مثل إرضاء زوجها وغيره عنها جاز فإن عائشة رضي الله تعالى عنها « أرضت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفية رضي الله تعالى عنها وأخذت يومها ، وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره » .
قال ابن تيمية : قياس المذهب جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره ووقع في كلام القاضي ما يقتضي جوازه .
وذهب المالكية إلى أن أخذ العوض على ذلك جائز ، فقالوا : جاز للزوج إيثار إحدى الضرتين على الأخرى برضاها ، سواء كان ذلك بشيء تأخذه منه أو من ضرتها أو من غيرهما ، أو لا ، بل رضيت مجاناً ، وجاز للزوج أو الضرة شراء يومها منها بعوض ، وتختصّ الضرة بما اشترت ، ويخصّ الزوج من شاء بما اشترى ، وعقب الدّسوقيّ بقوله : وتسمية هذا شراءً مسامحة ، بل هذا إسقاط حقّ لأن المبيع لا بد أن يكون متمولاً .
«ما يسقط به القسم»
26 - يسقط حقّ الزوجة في القسم بإسقاطها ويسقط بالنّشوز كما تسقط به النفقة .. وذلك باتّفاق الفقهاء ، ومن النّشوز أن تخرج بغير إذنه أو تمنعه من التمتّع بها .. قال الشافعية : ولو بنحو قبلة وإن مكنته من الجماع حيث لا عذر في امتناعها منه ، فإن عذرت كأن كان به صنان مستحكم - مثلاً - وتأذت به تأذّياً لا يحتمل عادةً لم تعد ناشزةً ، وتصدق في ذلك إن لم تدل قرينة قوية على كذبها .. وسقوط حقّ الناشزة في القسم لأنها بخروجها على طاعة زوجها وامتناعها منه رضيت بإسقاط حقّها في القسم .
ولا تستحقّ القسم زوجة صغيرة لا تطيق الوطء ، وكذا المجنونة غير المأمونة ، والمحبوسة ; لأن في إلزام زوجها بالقسم لها إضراراً به حيث يدخل الحبس معها ليوفيها قسمها ، والزوجة المسافرة لحاجتها وحدها بإذن زوجها .


الموسوعة الفقهية الكويتية



بيت الزّوجيّة على المذاهب الأربعة


بيت الزّوجيّة


التّعريف

1 - البيت لغةً : المسكن ، وبيت الرّجل داره.
وبيت الزّوجيّة : محلّ منفرد معيّن مختصّ بالزّوجة ، لا يشاركها أحد في سكناه من أهل الزّوج المميّزين ، وله غلق يخصّه ومرافق سواء كانت في البيت أو في الدّار ، على ألا يشاركها فيها أحد إلاّ برضاها.
وهذا في غير الفقراء الّذين يشتركون في بعض المرافق.
ما يراعى في بيت الزّوجيّة
2 - يرى الحنفيّة - على المفتى به - عندهم ، والحنابلة ، وهو رواية عند الشّافعيّة أنّ بيت الزّوجيّة يكون بقدر حال الزّوجين في اليسار والإعسار ، فليس مسكن الأغنياء كمسكن الفقراء ، لقوله تعالى : «وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف» فقوله بالمعروف يقتضي مراعاة حال الزّوجين ، ولأنّ بيت الزّوجيّة - في الأصل - بيت دوامٍ واستقرارٍ ، فجرى مجرى النّفقة والكسوة ، ويراعي الحاكم حالهما عند التّنازع.
ويرى المالكيّة : أنّ « محلّ الطّاعة » يكون حسب العادة الجارية بين أهل بلد الزّوجين بقدر وسع الرّجل وحال المرأة.
فإن تساويا فقراً أو غنًى اعتبر حالهما ، وإن كان فقيراً لا قدرة له إلاّ على أدنى الكفاية ، فالعبرة بوسعه فقط.
وإن كان غنيّاً ذا قدرٍ ، وهي فقيرة ، أجيبت لحالةٍ أعلى من حالها ودون حاله.
وإن كانت غنيّةً ذات قدرٍ ، وهو فقير ، إلاّ أنّ له قدرةً على أرفع من حاله ، ولا قدرة له على حالها رفعها بالقضاء إلى الحالة الّتي يقدر عليها.
ويرى الشّافعيّة على المعتمد عندهم : أنّ بيت الزّوجيّة يكون بما يليق بحال المرأة عادةً ، إذ هو إمتاع ، سواء كان داراً أو حجرةً أو غيرهما.
وظاهر الرّواية عند الحنفيّة : اعتبار حال الزّوج فقط ، لقوله تعالى : «أسكنوهنّ من حيث سكنتم من وجدكم» وهو خطاب للأزواج ، وبه قال جمع كثير منهم ، ونصّ عليه محمّد.
وكذا في قولٍ ثالثٍ للشّافعيّة : أنّ مسكن الطّاعة يكون على قدر يسار الزّوج وإعساره وتوسّطه كالنّفقة.
«شروط بيت الزّوجيّة»
3 - يرى الفقهاء أنّ بيت الزّوجيّة يراعى فيه ما يأتي
أ - أن يكون خالياً عن أهل الزّوج ، سوى طفله غير المميّز ، لأنّ المرأة تتضرّر بمشاركة غيرها في بيت الزّوجيّة الخاصّ بها ، ولا تأمن على متاعها ، ويمنعها ذلك من معاشرة زوجها ، وهذا بالنّسبة إلى بيت الزّوجيّة متّفق عليه بين الفقهاء.
أمّا سكنى أقارب الزّوج أو زوجاته الأخريات في الدّار الّتي فيها بيت الزّوجيّة ، إذا لم ترض بسكناهم معها فيها ، فقد قال الحنفيّة : إنّه إذا كان لها بيت منفرد في الدّار له غلق ومرافق خاصّة كفاها ، ومقتضاه أنّه ليس لها الاعتراض حينئذٍ على سكنى أقاربه في بقيّة الدّار ، إن لم يكن أحد منهم يؤذيها.
وقالوا أيضاً : له أن يسكن ضرّتها حينئذٍ في الدّار ما لم تكن المرافق مشتركةً ، لأنّ هذا سبب للتّخاصم.
ومثله في الجملة مذهب الشّافعيّة.
وفي قولٍ عند بعض الحنفيّة ارتضاه ابن عابدين : أنّه يفرّق بين الشّريفة والوضيعة ، ففي الشّريفة ذات اليسار لا بدّ من إفرادها في دارٍ ، ومتوسّطة الحال يكفيها بيت واحد من دارٍ.
وبنحو هذا قال المالكيّة على تفصيلٍ ذكروه ، كما نصّ عليه صاحب الشّرح الكبير ، قال : للزّوجة الامتناع من أن تسكن مع أقارب الزّوج كأبويه في دارٍ واحدةٍ ، لما فيه من الضّرر عليها باطّلاعهم على حالها ، إلاّ الوضيعة فليس لها الامتناع من السّكنى معهم ، وكذا الشّريفة إن اشترطوا عليها سكناها معهم.
ومحلّ ذلك فيما لم يطّلعوا على عوراتها.
ونصّ المالكيّة أيضاً على أنّ له أن يسكن معها ولده الصّغير من غيرها ، إن كانت عالمةً به وقت البناء ، أو لم يكن له حاضن غير أبيه ، وإن لم تعلم به وقت البناء.
وقال الحنابلة : إن أسكن زوجتيه في دارٍ واحدةٍ ، كلّ واحدةٍ منهما في بيتٍ ، جاز إذا كان بيت كلّ واحدةٍ منهما كمسكن مثلها ، وهذا يقتضي أنّه إذا كان مسكن مثلها داراً مستقلّةً فيلزم الزّوج ذلك.
أمّا خادم الزّوج أو الزّوجة : سواء من جهتها أو من جهة الزّوج ، فيجوز سكناه في الدّار ، لأنّ نفقته واجبة على الزّوج ، ولا يكون الخادم إلاّ ممّن يجوز نظره إلى الزّوجة كالمرأة الحرّة.
ب - أن يكون خالياً من سكنى ضرّتها ، لما بينهما من الغيرة ، واجتماعهما يثير الخصومة والمشاجرة ، إلاّ إن رضيتا بسكناهما معاً ، لأنّ الحقّ لهما ، ولهما الرّجوع بعدئذٍ.
ج - أن يكون بين جيرانٍ صالحين ، وهم من تقبل شهادتهم ، وذلك لتأمن فيه على نفسها ومالها ، ومفاده أنّ البيت بلا جيرانٍ ليس مسكناً شرعيّاً ، إن كانت لا تأمن فيه على نفسها ومالها.
د - أن يكون مشتملاً على جميع ما يلزم لمعيشة أمثالهما عادةً على ما تقدّم ، وعلى جميع ما يحتاج إليه من المرافق اللّازمة.
«سكنى الطّفل الرّضيع في بيت الزّوجيّة»
4 - اتّفق الفقهاء على أنّ المرأة إذا تعيّن عليها إرضاع طفلها ، أو كانت آجرت نفسها للإرضاع ، وهي غير متزوّجةٍ ، ثمّ تزوّجت ، فليس للزّوج فسخ عقد الإرضاع ، وكذلك ليس له الفسخ إذا أذن لها ، وفي هاتين الحالتين لها أن تسكن الرّضيع معها في بيت الزّوجيّة.
«ما يجيز للزّوجة الخروج من بيت الزّوجيّة»
الأصل أنّه ليس للمرأة الخروج من بيت الزّوجيّة إلاّ بإذن زوجها ، إلاّ في حالاتٍ خاصّةٍ.
وقد اختلف الفقهاء في تلك الحالات ، وأهمّها
«أ - زيارة أهلها»
5 - الرّاجح عند الحنفيّة : إنّه يجوز للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة لزيارة أبويها كلّ أسبوعٍ ، أو زيارة المحارم كلّ سنةٍ ، وإن لم يأذن زوجها.
ولها الخروج لعيادة والديها وحضور جنازتهما أو أحدهما.
وعن أبي يوسف : تقييد خروج المرأة من بيت الزّوجيّة لزيارة أبويها كلّ جمعةٍ بأن لا يقدرا على زيارتها ، فإن قدرا لا تذهب.
وأجاز المالكيّة للمرأة الخروج من بيت الزّوجيّة لزيارة والديها ، ويقضى لها بزيارتهما مرّةً كلّ أسبوعٍ ، إن كانت مأمونةً ولو شابّةً ، وحالها محمول على الأمانة حتّى يظهر خلافها.
وإن حلف : أن لا تزور والديها يحنث في يمينه ، بأن يحكم لها القاضي بالخروج للزّيارة ، فإذا خرجت بالفعل حنث ، وهذا على فرض أنّ والديها بالبلد ، لا إن بعدا عنها فلا يقضى لها ، وليس لها أن تخرج لزيارتهما إن حلف باللّه أنّها لا تخرج ، وأطلق - بحيث لم يخصّ منعها من الزّيارة بل منعها من الخروج أصلاً - لفظاً ونيّةً ، ولا يقضى عليه بخروجها ولو لزيارة والديها إذا طلبتها ، لأنّه في حال التّخصيص يظهر منه قصد ضررها ، فلذا حنث ، بخلاف حال التّعميم فإنّه لم يظهر منه قصد الضّرر ، فلذا لا يقضى عليه بخروجها ولا يحنث.
وإن لم تكن مأمونةً ، لم تخرج ولو متجالّةً ، أو مع أمينةٍ ، لتطرّق فسادها بالخروج.
وجوّز الشّافعيّة خروج المرأة لزيارة أهلها ولو محارم - على المعتمد عندهم - حيث لا ريبة ، وكذا عيادتهم ، وتشييع جنازتهم ، ولو في غيبة الزّوج من غير إذنٍ ، أو منع قبل غيبته ، فلو منعها قبل غيبةٍ فليس لها الخروج ، والمراد خروج لغير سفرٍ وغيبةٍ عن البلد.
وأجاز الحنابلة للمرأة الخروج لزيارة والديها بإذن زوجها ، وليس لها الخروج بلا إذنه ، لأنّ حقّ الزّوج واجب فلا يجوز تركه بما ليس بواجبٍ مهما كان سبب الزّيارة ، ولا تخرج بغير إذنه إلاّ لضرورةٍ ، ولا يملك الزّوج منعها من زيارتهما إلاّ مع ظنّ حصول ضررٍ يعرف بقرائن الأحوال بسبب زيارتهما لها ، فله منعهما حينئذٍ من زيارتها دفعاً للضّرر.
«ب - سفر المرأة والمبيت خارج بيت الزّوجيّة»
6 - يرى الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة جواز خروج المرأة من بيت الزّوجيّة لأداء الحجّة المفروضة ، ولا يجوز للزّوج منعها لأنّ الحجّ فرض بأصل الشّرع ، ولا يملك تحليلها إذا أحرمت بإذنه بحجٍّ غير مفروضٍ ، لوجوب إتمامه بشروعها فيه.
ويرى الشّافعيّة جواز خروج المرأة للحجّ بإذن الزّوج ، إذ ليس للمرأة الحجّ إلاّ بإذن الزّوج للفرض وغيره.
«ج - الاعتكاف»
7 - يرى الفقهاء جواز خروج المرأة من بيت الزّوجيّة بإذن زوجها للاعتكاف في المسجد مطلقاً ، والمكث فيه مدّته.
«د - رعاية المحارم»
8 - ذهب جمهور الفقهاء - خلافاً للحنابلة - إلى أنّ للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة لرعاية محارمها ، كأبويها وإخوتها ، وذلك لتمريض المريض أو عيادته ، إذا لم يوجد من يقوم عليه واحتاجها ، وعليها تعاهده بقدر احتياجه ، وكذا إذا مات أحد من أقاربها تخرج لشهود جنازته ، ويستحبّ لزوجها إذنها بالخروج ، لما في ذلك من صلة الرّحم ، وفي منعها من ذلك قطيعة رحمٍ ، وربّما حملها عدم إذنه على مخالفته ، وقد أمر اللّه سبحانه وتعالى بالمعاشرة بالمعروف ، فلا ينبغي للزّوج منعها.
ولم يصرّح الحنابلة بحكم هذه الصّور.
«هـ - الخروج لقضاء الحوائج»
9 - يرى جمهور الفقهاء أنّه يجوز للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة بلا إذن الزّوج إن كانت لها نازلة ، ولم يغنها الزّوج الثّقة أو نحو محرمها ، وكذا لقضاء بعض حوائجها الّتي لا بدّ لها منها ، كإتيانها بالماء من الدّار ، أو من خارجها ، وكذا مأكل ، ونحو ذلك ممّا لا غناء عنه للضّرورة إن لم يقم الزّوج بقضائه لها ، وكذا إن ضربها ضرباً مبرّحاً ، أو كانت تحتاج إلى الخروج لقاضٍ تطلب عنده حقّها.
وصرّح الحنفيّة بأنّ للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة إن كان البيت مغصوباً ، لأنّ السّكنى في المغصوب حرام ، والامتناع عن الحرام واجب ، ولا تسقط نفقتها.
وكذا لو أبت الذّهاب إليه.
وصرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة للعمل إن أجاز لها زوجها ذلك ، لأنّ الحقّ لهما لا يخرج عنهما ، ولها الخروج للإرضاع إن كانت آجرت نفسها له قبل عقد النّكاح ثمّ تزوّجت ، لصحّة الإجارة ، ولا يملك الزّوج فسخها ، ولا منعها من الرّضاع حتّى تنقضي المدّة ، لأنّ منافعها ملكت بعقدٍ سابقٍ على نكاح الزّوج مع علمه بذلك.
وصرّح الشّافعيّة بأنّ للمرأة أن تخرج من بيت الزّوجيّة إن كانت تخاف على نفسها أو مالها من فاسقٍ أو سارقٍ ، أو أخرجها معير المنزل ، كما صرّح الشّافعيّة بأنّ لها الخروج والسّفر بإذن الزّوج مطلقاً مع محرمٍ.
وصرّح الحنفيّة والشّافعيّة أنّه يجوز للمرأة الخروج من بيت الزّوجيّة ولو بغير إذن الزّوج ، إن كانت في منزلٍ أضحى كلّه أو بعضه يشرف على الانهدام ، مع وجود قرينةٍ على ذلك.
ولها الخروج إلى مجلس العلم برضا الزّوج ، وليس لها ذلك بغير رضاه.
«ما يترتّب على رفض الزّوجة الإقامة في بيت الزّوجيّة»
10 - يرى الفقهاء أنّ المرأة إذا امتنعت عن الإقامة في بيت الزّوجيّة بغير حقٍّ ، سواء أكان بعد خروجها منه ، أم امتنعت عن أن تجيء إليه ابتداءً بعد إيفائها معجّل مهرها ، وطلب زوجها الإقامة فيه ، فلا نفقة لها ولا سكنى حتّى تعود إليه ، لأنّها بالامتناع قد فوّتت حقّ الزّوج في الاحتباس الموجب للنّفقة ، فتكون ناشزاً.


الموسوعة الفقهية الكويتية



حكم الغناء على المذاهب الأربعة


غناء


التّعريف

1 - الغناء - بالكسر والمدّ - لغةً اسم من التّغنّي ، وله معان منها : ما طرب به من الصّوت والسّماع ، ورفع الصّوت ، والتّطريب ، والتّرنّم بالكلام الموزون وغيره ويكون مصحوباً بالموسيقى وغير مصحوب ، والغناء بالفتح : النّفع ، والغنى بالكسر : اليسار . والغناء اصطلاحاً : يطلق على رفع الصّوت بالشّعر وما قاربه من الرّجز على نحو مخصوص عند بعض الفقهاء . وعرّفه آخرون بأنّه : رفع الصّوت المتوالي بالشّعر وغيره على التّرتيب المرعيّ الخاصّ في الموسيقى ، ليدرج فيه البسيط المسمّى بالاستبداء ، أو السّاذج فإنّه صوت مجرّد من غير شعر ولا رجز ، لكنّه على ترتيب خاصّ مضبوط من أهل الخبرة ، ولذلك نقل الجاحظ عن غيره : أنّ النّغم فضل بقي من النّطق لم يقدر اللّسان على استخراجه ، فاستخرج بالألحان على التّرجيع ، لا على التّقطيع ، فلمّا ظهر عشقته النّفوس ، وحنّت إليه الرّوح ، ألا ترى إلى أهل الصّناعات كلّها ، إذا خافوا الملالة والفتور على أبدانهم ترنّموا بالألحان واستراحت إليها أنفسهم ، وليس من أحد - كائناً من كان - إلاّ وهو يطرب من صوت نفسه ، ويعجبه طنين رأسه ، وقد ذكر ما يقارب هذا لفظاً ومعنًى الإمام الغزاليّ ، وغيره ، ممّا يدلّ على أنّ الغناء كما يقع بالشّعر والألحان والآلات يقع ساذجاً بصوت مجرّد عن الجميع ، لكنّه على نمط خاصّ .

الألفاظ ذات الصّلة

«أ - التّغبير»
2 - التّغبير هو في حقيقة الأمر ضرب من الغناء يذكّر بالغابرة وهي الآخرة ، ويزهّد في الحاضرة وهي الدّنيا ، والمغبّرة قوم يغبّرون بذكر اللّه تعالى بدعاء وتضرّع ، وقد أطلق عليهم هذا الاسم لتزهيدهم النّاس في هذه الدّنيا الفانية وترغيبهم في الباقية وهي الآخرة ، وهو من « غبّر » الّذي يستعمل للباقي كما يستعمل للماضي . وقال الشّافعيّ : أرى الزّنادقة وضعوا هذا التّغبير ليصدّوا عن ذكر اللّه وقراءة القرآن . والصّلة أنّ التّغبير نوع من الغناء .
«ب - الحداء»
3 - الحداء بضمّ الحاء وكسرها ضرب من الغناء للإبل إذا سمعته أسرعت . قال ابن قدامة : الحداء هو الإنشاد الّذي تساق به الإبل - وقد ورد عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « كان في سفر ، وكان غلام يحدو بهنّ يقال له : أنجشة . فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير » قال أبو قلابة : يعني النّساء . والحداء نوع من الغناء .
«ج - النّصب»
4 - من معاني النّصب : « بفتح النّون وسكون المهملة » التّرنّم بالشّعر ، وهو نوع من أغاني العرب فيه تمطيط يشبه الحداء ، وقيل : هو الّذي أحكم من النّشيد وأقيم لحنه ووزنه ، فعن السّائب بن يزيد قال : كان رباح - وهو ابن المغترف - يحسن النّصب ، وفي حديث نائل مولى عثمان : فقلنا لرباح : لو نصبت لنا نصب العرب . وقال ابن قدامة : النّصب نشيد الأعراب لا بأس به كسائر أنواع الإنشاد ما لم يخرج إلى حدّ الغناء . والصّلة أنّ النّصب ضرب من الغناء .
«حكم الغناء»
5 - اختلف الفقهاء في حكم الغناء : فمنهم من قال بكراهته كراهة تنزيه ، ومنهم من قال بتحريمه ، ومنهم من قال بالإباحة ، ومنهم من فصّل بين القليل والكثير ، ومنهم من لاحظ جنس المغنّي ففرّق بين غناء الرّجال وغناء النّساء ، ومنهم من ميّز بين البسيط السّاذج وبين المقارن لأنواع من الآلات . وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح : « استماع ف 15 - 22 » « ومعازف » . وهناك مسائل تتعلّق بالغناء منها :
«أ - احتراف الغناء »
6 - ذهب الحنفيّة والحنابلة وهو ما يفهم من مذهب المالكيّة إلى أنّ اتّخاذ الغناء حرفةً يرتزق منها حرام . وذهب الإمام الشّافعيّ في الأمّ إلى أنّ المرأة أو الرّجل يغني ، فيتّخذ الغناء صناعةً يؤتى عليه ويأتي له ، ويكون منسوباً إليه مشهوراً به معروفاً ، لا تجوز شهادة واحد منهما ، وذلك أنّه من اللّهو المكروه الّذي يشبه الباطل ، وأنّ من صنع هذا كان منسوباً إلى السّفه وسقاطة المروءة ، ومن رضي بهذا لنفسه كان مستخفّاً وإن لم يكن محرّماً بيّن التّحريم .
«ب - الإجارة على الغناء »
7 - من شروط الإجارة : أن تكون المنفعة المعقود عليها مباحةً شرعاً ، وبناءً على ذلك فإنّ الاستئجار للغناء المحرّم والنّوح لا يجوز ; لأنّه استئجار على معصية ، والمعصية لا تستحقّ بالعقد . أمّا الاستئجار لكتابة الغناء والنّوح فهو جائز عند الحنفيّة ، لأنّ الممنوع إنّما هو نفس الغناء والنّوح - على القول بذلك - لا كتابتهما .
«ج - الوصيّة بإقامة لهو بعرس »
8 - من أوصى بإقامة لهو بعرس فإنّ الوصيّة تنفّذ إذا كان اللّهو مرخّصاً فيه وبآلات مرخّص في استعمالها ، ولا تنفذ إذا داخله ما لا يجوز .
«د - مروءة المغنّي وشهادته »
9 - احتراف الغناء وكثرة استماعه ممّا يقدح في مروءة المرء مغنّياً ومستمعاً ، بحيث يعرّضه إلى ردّ شهادته ، ونقل الحطّاب أنّ الغناء إن كان بغير آلة فهو مكروه ، ولا يقدح في الشّهادة بالمرّة الواحدة ، بل لا بدّ من تكرّره مثلما نصّ عليه ابن عبد الحكم لأنّه حينئذ يكون قادحاً في المروءة ، وفي المدوّنة : تردّ شهادة المغنّي والمغنّية والنّائح والنّائحة إذا عرفوا بذلك ، ونقل عن المازريّ : إذا كان الغناء بآلة فإن كانت ذات أوتار كالعود والطّنبور فممنوع ، وكذلك المزمار ، والظّاهر عن بعض العلماء أنّ ذلك يلحق بالمحرّمات ، ونصّ محمّد بن عبد الحكم على أنّ سماع العود تردّ به الشّهادة ، إلاّ إن كان ذلك في عرس أو صنيع ليس معه شراب يسكر فإنّه لا يمنع من قبول الشّهادة ، وقيّد الحنفيّة ردّ شهادة المغنّي بأن يغني للنّاس بأجرة .
«- والوقف على المغنّي»
10 - نصّ الحنابلة على أنّ الوقف لا يصحّ على جهة المغاني ، ويصحّ على معيّن متّصف بذلك ويستحقّه لو زال ذلك الوصف ، ويلغو شرط الواقف ما دام كذلك ، وسائر المذاهب على عدم صحّة الوقف على جهة المعصية . « راجع مصطلح : وقف » .
«التّغنّي بالقرآن الكريم»
11 - ذهب جمهور الفقهاء : إلى عدم جواز تلاوة القرآن الكريم أو الاستماع إليه بالتّرجيع والتّلحين المفرط . أمّا تحسين الصّوت بقراءة القرآن من غير مخالفة لأصول القراءة فهو مستحبّ واستماعه حسن ، لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « زيّنوا القرآن بأصواتكم » وتفصيل ذلك في « استماع ف 7 » .


الموسوعة الفقهية الكويتية



شيء من الذاكرة رحلة إلى أثينا ـ4

في كل مكان بالعالم تجد أماكن تاريخية يختص بها المسيح عيسى عليه السلام قد يقال لك هنا مشى على الماء أو هنا تنزلت مائدة السماء أو هنا الموقع الذي ولد فيه , كل منطقة بالعالم تخبرك عن شيء يخص المسيح , والمسيح ولد وعاش ورفع على أرض الشام ولم يغادر غيرها لكن انتعاش تلك الأماكن أعتمد على الأساطير لإنعاش السياحة ليس إلا , الأديرة التي تعلو جبل اثينا كثيرة ولكل واحدة منها قصة أوأسطورة , أخبرتني إحدى الراهبات ان في هذا الدير تسكنه العذراء وأنها أختارت هذا المكان لتكون دار لها هكذا تقول ولو أن الترجمة خانتني في كثير من كلماتها , كانت امرأة طيبة لاتفارق الإبتسامة محياها لهذا هي مصداقة لكل تلك الرسومات التي تملأ الدير لكن بالنسبة لي هي أساطير خارجة عن نطاق تركيبة دماغي .


شيء من الذاكرة رحلة إلى أثينا ـ4
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

توجهت للفندق بعد أن أنهيت يومي مابين المطار والمطعم  والحديقة , تجولت بجولة خفيفة مابين اللوبي والمسبح والنادي الرياضي لأخذ صورة ربما ستخدمني إذا حل الفراغ أو انتابتني لحظات تسمى عُطل مزاجي , توجهت عبر الردهة الطويلة لأستقر أخيراً في مقصورتي الجميلة والتي طابت لي بمطلها الجميل وديكورها الرائع , أرحت جسدي على الأريكة لأتلاعب بالريموت الخاص بالتلفاز متنقل من عالم إلى عالم ولم أجد محطة واحدة أشعر أني خليط معها غير محطة واحدة تبث الأغاني والمنتقاة بلإستعراض الجنسي , لكن الملل يدخل من غير اسئذان , بعدها بوقت كان هناك طرق على باب غرفتي وعندما فتحت الباب كان الأمير الجميل بإبتسامته وهو يقول ( وينك فيه هداك الله ) أخبرته بما مررت به بالحديقة وهو يضحك بصوت عالي حتى أخبرته عن ذلك البريفسور وعن ماقال بالعائلة المالكة وكأن هناك من رش عليه ماء بارد لتتعير كل ملامحه وحركاته وكأني قد عككت بتلك العكة التي كانت حلم الفقير تعرفونها جيداً ؟! .
حاولت أن اغير الموضوع لكن الأمير أصر على معرفة كل ماقاله هذا الرجل قلت له مؤلم أن حدثتك به لكنه اصر وأعطيته كامل النشرة ومايتخللها من زيادات من عندي ربما لحاجة في نفسي او إظهار الصورة بكامل براويزها وهو لازال مطأطئ الرأس مستمع وكأنه لأول مرة يعرف تاريخ عائلته قاطعني ليرفع السماعة ليطلب قهوة وكأنه يقول لي أنت لست كريم وهو صادق في ذلك فقد أنساني كرم الضيافة لأعتذر له وأعيد الإتصال مرة اخرى واكرر الطلب بنفسي , غير الموضوع الأمير وقال لحظة بتصل . فأفرد جواله ليقول للمتلقي عطني الوالد وعندما سمعت صوت والده عرفت هو ابن من وعندما أفرغ قلت وتعم الأب ونعم الشاعر فقاطعني بدون رد المديح ليقول على الموعد انشالله الساعة ال 9 في لوبي الفندق قلت أنشاالله , وذهب من عندي وأنا أشعر بذنب عظيم ولم اعتذر منه الإعتذار الصحيح , ليس لأنه إبن أمير بل لأني لاأحب الخوض في مثل هذه الأمور بأناس تربطهم صلة بهذا التاريخ , قمت لأستعد للدعوة ولأحتار ماذا البس هل أكون بكامل أناقتي الرسمية أو أرتدي أي شيء لكني قررت أن اكون رسمي لإحترام صاحب الدعوة وربما يكون المكان ممتلئ بلأناقة .
بعد أن تجهزت وأقتربت ساعة الموعد إلا دقائق معدودة أتجهت للوبي لأستقر بأحد مقاعده في انتظارهم وماهي إلا دقائق حتى جاء ومن معه فعرفني على أحدهم لم اره معهم بالمطعم وهو من الجنسية الخليجية, ذهبنا للمكان المعد للعشاء لنتفرق بسيارتين وعندما وصلنا للمكان لفتت إنتباهي لافتة مكتوب عليها ( كازنو الف ليلة وليلة ) أرتقينا جميعاُ السلالم المؤدية للكازنو وأنخنا مطايانا على إحدى الطاولات وماكان سوى ثواني حتى جاء اصطف من الفتيات الفاتنان الاتي يذهبن العقول ومايلبسن مما يظهر كل ماخلف لباسهم الشفاف وكأني بكواعب جئنا على مهل ليلهبن الجسد , وحتى هذه اللحظة لاأعرف لماذا هذا الكم كان واقف خلفنا وأمامنا ولم يتحرك حتى غادرنا لكن رؤيتهم بهذا اللهيب الموجع قد أصدر صك العذاب في نفسي طوال تلك السهرة . 
أول من أحيا الحفل كان جورج وسوف ثم فتاة مغربية لاأظن لها ظهور اعلامي لكنها كانت أجمل من جورج , في الطاولة المجاورة كانت مجموعة عوائل لبنانية ولم اللحظ هؤلاء الفتيات بجوار طاولتهم وحتى امتلأ الكازنو لم اجد غيرهم حولنا , دارت الكؤوس وكأن تلك الرؤس قد حان قطافها فلا أنا ولا الأمير شربنا وكنا في كامل طاقتنا العقلية وما أحزنني ذلك الشخص من الجنسية الخليجية عندما أسرف بالشراب وكان البكاء والهذيان حاضران ليتحدث عن مانحط به علما وكأن الرجل قد مسه شيء من سحر , لازال ذلك الهذيان حاضر في ذاكرتي وهو عبارة عن خيانة زوجة ابيه معه ومع اخوته وأشياء كثيرة يندى لها الجبين , قلت للأمير هل تعرف أني اليوم كرهت نفسي وياليتني لم أجب دعوتك , أعتذر بخجل وقال والله لم أعرف أن هذا سيحصل قلت له لكنه حصل وكيف لهذا المسكين وكيف حمله قال لاتهتم أنا سأتدبر الأمر فما كان الا أن حمله بعض الأشخاص وغادرنا الكازنو للفندق ليحملوه لغرفته والتي تعلو غرفتي بطابقين , عندما وضعوه على سريره وهو لازال يهذي ويبكي تركناه واغلقنا الباب خلفنا وأنا أقول لأحد المرافقين معنا كيف سنتركه هنا ربما يؤدي نفسه قال بنفس عالي ( خله وش عليك منه ) . 
تركتهم جميعاُ لأذهب لغرفتي وكنت محمل بالتعب والقلق وكأني أدعو النوم بأن يرحمني مما سأفكر فيه .

يتبع