الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

العرس أوربي والطبالين عرب / بقلم فواز الشريف

أنقضت منذ أيام قلائل البطولة الأوروبية أو ( يورو 2008 ) كما يحلو للبعض نعتها ، و أنقضى معها العرس الأوروبي و انفضى الأوربيون من على مائدته فسعد من سعد وحزن من حزن 
و لا ريب في أن أبرز السعداء في هذه الأجواء المترعة بالفرح كانوا من العرب ! 
ولقد تسنى لي الانضمام إلى نادي أولئك السعداء ممن حظوا بمشاهدة اللحظات الأخيرة لهذا العرس الأوروبي بعد أن دعاني عضو سعيد لمشاهدته والاستئناس به على أحد القنوات المشفرة 
ولقد حركة فيّ تلك الأجواء المفعمة بالسعادة بواعث للكتابة فألفيت نفسي وكما هو ديدنها عندما يحزبها أمر ما وقد هرعت الملم افكاري المتناثرة هنا وهناك أبثها بعضاً مما أنتابها من مشاعر الأسى والحزن من جراء أجواء السعاة تلك .
وعندما شرعت في الكتابة بدأت أستحضر من مخيلتي المتخمة بالكثير من الصور التي تنوعت عبر طيف واسع من المشاعر لأربط بينها وبين واقع أبى إلا أن يفرض نفسه علينا رغم مساعي البعض منا لتجاهله و الهروب من قبضته حتى ولو كان بالاستجداء و التطفل على موائد الآخرين ، ولكن نفسي النزاعة أبت أن لا تفوت هذا الحدث دون طرقه و الوقوف عنده و الولوج من خلاله إلى جراحات و مآسي هذه الأمة فأطلقت العنان لقلمي ليعبر عما يجيش في هذه النفس المتعبة التي أضنتها غفلة القوم السرمدية علني أجد في ذلك سلوتي ، وحتى أضع في الصورة من يمعن النظر في هذا الرسم ويعي هذا المقال سأعرّض لبعضاً من مظاهر الفرح التي تبدت لي من قومنا في عرس غيرنا ومن ثم أربطها بواقعها المرير لعلي بذلك أحرك شيئاً من شعور جمدت أوصاله في قوالب اللامبالاة .

فعلى المستوى الإعلامي حضيت هذه البطولة وكما هي عادت إعلامنا المٌوسيس بأهتمام بالغ وتغطية إعلامية منقطعة النظير تضاهي أن لم تبز قريناتها الأوروبية ، وحتى قبيل انطلاق بطولتهم بأسابيع سلط أعلامنا عليها الأضواء وأشبعت تعليقاً وتحليلاً وتوقعاً حتى باتت شغله الشاغل ، ولا شك في أن المتتبع للإعلام الغربي سيلمس بوناً شاسعاً بين إعلامنا المتطور المواكب للحدث وبين أعلامهم المتخلف !!!! 
وحسبك أن تلمس من مظاهر هذا الرقي الكم الهائل الذي تم تجنيده وحشده لخدمة هذه التظاهرة العالمية – و التي لا تمس لنا بصلة - من إعلاميين ومذيعيين وكوادر إخراج وتقديم وتصوير ومحللين وخبراء .... إلخ ، حتى أنك لتخال مراكز أعلامهم واستديوهاتهم وقد أضحت خلايا نحل من فرط ماجند لها ، وباتت تغص بهذا الكم من مهرجي الإعلام الرياضي رغم أن من ( تشرّف ) بنقل أحدائها و احتكر حق بثها على المستوى العربي قناة واحدة لا غير ، إلا أن ذلك لم يقف حائلاً دون متابعتها وتقصي أخبارها وإقحام صخبها في حياتنا . 
ولتقريب الصورة للأذهان لمعرفة مدى هذا الزخم الإعلام الذي أزكم الأنوف أجد أنه من الطريف أن أعرّج في الحديث عن أطرف ما في هذا الإعلام والمسمى بالتعليق الرياضي أو ( التهريج الرياضي ) وذلك لكونه يجسد حجم ومقدار هذا الاهتمام من ناحية، و كما يعكس صورة ويعطي انطباعاً على المدى الذي أوصلت إليه العقلية العربية المعاصرة من ناحية أخرى ، وهي صورة من الصورة التي أسعى لاستحضارها ، و رغم أن الرغبة تحدوني في أن أفرد له مقالة خاصة أتناول من خلالها سخافاته إلا أنه لا ضير من الإشارة إليه ولو بشكل مقتضب . 
أن أول ما يسترعي الانتباه هو مقدار ذلك التفاعل العجيب و الغريب الذي أبداه المعلق العربي مع أحداث البطولة -وسواها من المناسبات الرياضية - فلا يكاد يترك شاردة أو واردة إلا وعلق عليها أو أشار إليها ناهيك عن الصياح و النعيق و الهتاف حتى أنك لا تخال من فرط تفاعله أن الذي في أتون المنافسة هو الفريق القومي لأبناء جلدته وليس بفريق أجنبي ، وقد نوه أحدهم في معرض تعليقه بمدى العجب والاستغراب الذي أبداه المعلقون الأوربيون أنفسهم بهذا التعليق وقد أومأوا أليه ذات مرة بخفض صوته و التخفيف من حدة نعيقه و الحد من حماسه المفرط تخيل هذا وهم أصحاب الشأن فما بال هذا المسكين وقد أتعب حنجرته وأبح صوته ! هذا بجانب ما يبديه بعض الهائمين منهم من مشاعر الحب و الوفاء ويكليه من عبارات التقدير و الإعجاب حتى أنه وصل الأمر ببعضهم حد أقتباس عبارات ومقولات مقدسة وتنزيلها على اللهو الذي يخوض فيه ، هذا بجانب عبارات ومصلحات لا تستخدم إلى في المعاجم العسكرية و القواميس السياسية كعبارات استراتيجية وخطة وتكتيك وقذيفة أرض جو وعابرة للقارات ... إلخ من العبارات و المصطلحات الرنانة و أخالها في حقيقة ذاتها أنما تعبر عن ما نعانيه من نقص ، وأنت تتابع هذا الغث العجيب في سائر المناسبات الرياضية وعلى وجه الخصوص كرة القدم تختلط لديك المشاعر فتارة تضحك وأخرى تسخر ثم لا تلبث أن تحنق وتتشنج وكثيراً ما تصاب بحالة من الغثيان و رغبة في التقيؤ ، و القليل منهم قد رعى الآداب العامة و الذوق الرفيع فقدم مادته بلغة عربية سليمة والغالبية العظمى آثرت اللهجات المحلية وكأني بهم وقد ألوى على أنفسهم إلا أن يثرثروا بالعامية فتصيخ إليهم وقد قلبوا الذال دال أو زاء و الحاء خاء ، كما أنهم لم يكتفوا بذلك فلم يتورعوا عن إقحام الكم الهائل من المصطلحات و المفردات الأجنبية ، وكأن لسان حالهم يقول لابد أن يكون لنا سهم في تقويض دعائم العربية بنشر العامية على المنابر الإعلامية ، وما هذا سوى غيض من فيض وسيطول بنا المقام لو تتبعنا ترهات هؤلاء المجانين .
وإحقاقا للحق فلا يسعنى القول سوى أن هذا الإعلام الفلته قد تمكن وكما هو ديدنه في المناسبات العالمية من نقل العقل و الشعور العربي إلى قلب الحدث وبإمتياز حتى قبل انطلاقه ، و بالله عليكم هل يوجد تطور أبلغ مدى من ذلك !
أما على الصعيد الشعبي وتحديداً ما يسمى بالشارع الرياضي المباح في عرف السياسيين لدينا السير فيه والتسكع على قارعته ، والمصاب في صميم ذاته بلوثاء الهوس الكروي ، فأنه تبعاً للتأثير الإعلامي جرى توجيه أفئدة وعقول الملايين من المتسكعين صوب هذه المناسبة فأضحت هاجسهم وهمهم الأوحد فلا فلسطين و لا العراق و لا حصار غزاة لها نصيب من اهتمامتهم وقد ضوت جميعاً أمام يورو 2008 ، حتى أنه قلما يخلو مجلس من مجالس سمرهم أو منتدى رفقتهم أو أندية تجمعهم من الحديث عنها و التسري بأحداثها والإشادة بأبطالها ، وقد تقاسموا الإعجاب بينهم فهذا مال هواه صوب فريق دولة من الدول وآخر استحوذ على عقله فريق كذا وثالث شغف قلبه لاعب من اللاعبين حتى أضحى بطله الأوحد ، بل بلغ ببعضهم الحد في مناظرته ومناقشته و منافحاته حد التعصب ، والإيغال في الخصومة ! 
وكمّ راج سوق البطاقات المشفرة وارتفع ثمنها حتى غدت توازي القراريط من الذهب وقد اجتهد الجميع في تحصيل أثمانها وتهافتوا على شرائها رغم أن السواد الأعظم منهم لا يمتلك من المال ما يخوله لشرائها ورغم ذلك فقد تفتقت الأذهان لايجاد طرائق وسبل تحصيلها فهذا يستدين وذاك يستجدي وثالث يحتال بأساليب الكترونية ومجموعة تتشارك في جمع قيمة بطاقة واحدة لمشاركة جماعية وآخرون كانوا مصادر ربح للمقاهي وقد تقاطروا وحداً وزرافات وبإنتظام على تلك المقاهي للإستمتاع بيورو ! على شاشات أعدها أرباب تلك المقاهي لهذه الغاية حتى غصت جنابتها من فرط روادها ، وقد غدت هذه المناسبة وغيرها من المناسبات العالمية مواسم رواج لأولئك المنتفعين على حد سواء .

وبعد هذا الاستعراض السريع لهذه المضحكات المبكيات ما عسى المرء أن يقول ففي خضم ما تشهده أمتنا من بلايا ونكبات تترى تنوعت صروفها وأشكالها حتى بات أدناها ( أقربها ) يمس أمننا الغذائي ، نرى المزيد من الغفلة وكأني بها وقد ضربت بأطنابها بين ظهرانينا وأبت أن تفارق ، فحيثما تولي وجهك تلمح من مظاهرها ما يعجز القلم و البيان عن وصفه 
وكلما استبشرنا خيراً بأن صدمة تعقب مصيبة تحل على رؤوسنا قد تفيق هؤلاء النووم من سباتهم يخرج علينا أولئك بمخدر جديد و قد استخدموا أمضى أسلحتهم واشدها فتكاً وهو الإعلام -و الذي استغل أشنع استغلال بتسخير امكانياته الهائلة لمسخ العقول وتغييبها عن واقعها سلفاً – لحقن هذا المخدر في جسد هذه الأمة وذلك عبر الترويج للمناسبات الرياضية وخاصة كرة القدم لتستمر ( أمتنا ) سادرة في غيبوبة متصلة ولعمري ، أن هم في ذلك لسائرون في ركاب غيرهم قد اقتفوا خطى أسيادهم ومعلميهم أرباب الصهيونية الذين كرسوا هذه المناسبات وخاصة الكروية منها لإلهاء واستغفال الشعوب وتغييبها عن واقعها، وحسبك أن تنظر إلى توقيت هذه المناسبات و الكيفية التي تدار لتسويقها ، لتعلم ما نرمي إليه ولمن نوجه سهامنا .

ولعل هناك من المتحذلقين من سيرفع عقيرته ويرد قائلا أنه من الإجحاف أن نلقي باللائمة على طرف دون الآخر ، أو ليس للشعوب من عقول تفكر بها ؟ ، أوليس لها من ضمير يحرك وجدنها و الشعور ؟
و لاريب في أن لكلِ ذنوباً يصيبه ، إلا أن هذا لايحجب ولا يواري الحقيقة الكامنة في أن : الغالبية الساحقة من الناس ليسوا سوى رعاع وهم تبع يسيرون حيث تشير عصا الراعي وعليه فاللائمة تلقى على عاتق الراعي الذي أبى إلا أن يوردها موارد الهلاك ، وتالله لهو أول المتبورين .
وما ظلمنهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون 


فواز الشريف

هناك تعليق واحد:

  1. Your Affiliate Profit Machine is ready -

    Plus, earning money online using it is as easy as 1, 2, 3!

    Here are the steps to make it work...

    STEP 1. Choose which affiliate products the system will advertise
    STEP 2. Add some push button traffic (it ONLY takes 2 minutes)
    STEP 3. See how the affiliate system grow your list and sell your affiliate products on it's own!

    Are you ready to start making money???

    Get the full details here

    ردحذف