الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

حكم الغناء على المذاهب الأربعة


غناء


التّعريف

1 - الغناء - بالكسر والمدّ - لغةً اسم من التّغنّي ، وله معان منها : ما طرب به من الصّوت والسّماع ، ورفع الصّوت ، والتّطريب ، والتّرنّم بالكلام الموزون وغيره ويكون مصحوباً بالموسيقى وغير مصحوب ، والغناء بالفتح : النّفع ، والغنى بالكسر : اليسار . والغناء اصطلاحاً : يطلق على رفع الصّوت بالشّعر وما قاربه من الرّجز على نحو مخصوص عند بعض الفقهاء . وعرّفه آخرون بأنّه : رفع الصّوت المتوالي بالشّعر وغيره على التّرتيب المرعيّ الخاصّ في الموسيقى ، ليدرج فيه البسيط المسمّى بالاستبداء ، أو السّاذج فإنّه صوت مجرّد من غير شعر ولا رجز ، لكنّه على ترتيب خاصّ مضبوط من أهل الخبرة ، ولذلك نقل الجاحظ عن غيره : أنّ النّغم فضل بقي من النّطق لم يقدر اللّسان على استخراجه ، فاستخرج بالألحان على التّرجيع ، لا على التّقطيع ، فلمّا ظهر عشقته النّفوس ، وحنّت إليه الرّوح ، ألا ترى إلى أهل الصّناعات كلّها ، إذا خافوا الملالة والفتور على أبدانهم ترنّموا بالألحان واستراحت إليها أنفسهم ، وليس من أحد - كائناً من كان - إلاّ وهو يطرب من صوت نفسه ، ويعجبه طنين رأسه ، وقد ذكر ما يقارب هذا لفظاً ومعنًى الإمام الغزاليّ ، وغيره ، ممّا يدلّ على أنّ الغناء كما يقع بالشّعر والألحان والآلات يقع ساذجاً بصوت مجرّد عن الجميع ، لكنّه على نمط خاصّ .

الألفاظ ذات الصّلة

«أ - التّغبير»
2 - التّغبير هو في حقيقة الأمر ضرب من الغناء يذكّر بالغابرة وهي الآخرة ، ويزهّد في الحاضرة وهي الدّنيا ، والمغبّرة قوم يغبّرون بذكر اللّه تعالى بدعاء وتضرّع ، وقد أطلق عليهم هذا الاسم لتزهيدهم النّاس في هذه الدّنيا الفانية وترغيبهم في الباقية وهي الآخرة ، وهو من « غبّر » الّذي يستعمل للباقي كما يستعمل للماضي . وقال الشّافعيّ : أرى الزّنادقة وضعوا هذا التّغبير ليصدّوا عن ذكر اللّه وقراءة القرآن . والصّلة أنّ التّغبير نوع من الغناء .
«ب - الحداء»
3 - الحداء بضمّ الحاء وكسرها ضرب من الغناء للإبل إذا سمعته أسرعت . قال ابن قدامة : الحداء هو الإنشاد الّذي تساق به الإبل - وقد ورد عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « كان في سفر ، وكان غلام يحدو بهنّ يقال له : أنجشة . فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير » قال أبو قلابة : يعني النّساء . والحداء نوع من الغناء .
«ج - النّصب»
4 - من معاني النّصب : « بفتح النّون وسكون المهملة » التّرنّم بالشّعر ، وهو نوع من أغاني العرب فيه تمطيط يشبه الحداء ، وقيل : هو الّذي أحكم من النّشيد وأقيم لحنه ووزنه ، فعن السّائب بن يزيد قال : كان رباح - وهو ابن المغترف - يحسن النّصب ، وفي حديث نائل مولى عثمان : فقلنا لرباح : لو نصبت لنا نصب العرب . وقال ابن قدامة : النّصب نشيد الأعراب لا بأس به كسائر أنواع الإنشاد ما لم يخرج إلى حدّ الغناء . والصّلة أنّ النّصب ضرب من الغناء .
«حكم الغناء»
5 - اختلف الفقهاء في حكم الغناء : فمنهم من قال بكراهته كراهة تنزيه ، ومنهم من قال بتحريمه ، ومنهم من قال بالإباحة ، ومنهم من فصّل بين القليل والكثير ، ومنهم من لاحظ جنس المغنّي ففرّق بين غناء الرّجال وغناء النّساء ، ومنهم من ميّز بين البسيط السّاذج وبين المقارن لأنواع من الآلات . وتفصيل ذلك ينظر في مصطلح : « استماع ف 15 - 22 » « ومعازف » . وهناك مسائل تتعلّق بالغناء منها :
«أ - احتراف الغناء »
6 - ذهب الحنفيّة والحنابلة وهو ما يفهم من مذهب المالكيّة إلى أنّ اتّخاذ الغناء حرفةً يرتزق منها حرام . وذهب الإمام الشّافعيّ في الأمّ إلى أنّ المرأة أو الرّجل يغني ، فيتّخذ الغناء صناعةً يؤتى عليه ويأتي له ، ويكون منسوباً إليه مشهوراً به معروفاً ، لا تجوز شهادة واحد منهما ، وذلك أنّه من اللّهو المكروه الّذي يشبه الباطل ، وأنّ من صنع هذا كان منسوباً إلى السّفه وسقاطة المروءة ، ومن رضي بهذا لنفسه كان مستخفّاً وإن لم يكن محرّماً بيّن التّحريم .
«ب - الإجارة على الغناء »
7 - من شروط الإجارة : أن تكون المنفعة المعقود عليها مباحةً شرعاً ، وبناءً على ذلك فإنّ الاستئجار للغناء المحرّم والنّوح لا يجوز ; لأنّه استئجار على معصية ، والمعصية لا تستحقّ بالعقد . أمّا الاستئجار لكتابة الغناء والنّوح فهو جائز عند الحنفيّة ، لأنّ الممنوع إنّما هو نفس الغناء والنّوح - على القول بذلك - لا كتابتهما .
«ج - الوصيّة بإقامة لهو بعرس »
8 - من أوصى بإقامة لهو بعرس فإنّ الوصيّة تنفّذ إذا كان اللّهو مرخّصاً فيه وبآلات مرخّص في استعمالها ، ولا تنفذ إذا داخله ما لا يجوز .
«د - مروءة المغنّي وشهادته »
9 - احتراف الغناء وكثرة استماعه ممّا يقدح في مروءة المرء مغنّياً ومستمعاً ، بحيث يعرّضه إلى ردّ شهادته ، ونقل الحطّاب أنّ الغناء إن كان بغير آلة فهو مكروه ، ولا يقدح في الشّهادة بالمرّة الواحدة ، بل لا بدّ من تكرّره مثلما نصّ عليه ابن عبد الحكم لأنّه حينئذ يكون قادحاً في المروءة ، وفي المدوّنة : تردّ شهادة المغنّي والمغنّية والنّائح والنّائحة إذا عرفوا بذلك ، ونقل عن المازريّ : إذا كان الغناء بآلة فإن كانت ذات أوتار كالعود والطّنبور فممنوع ، وكذلك المزمار ، والظّاهر عن بعض العلماء أنّ ذلك يلحق بالمحرّمات ، ونصّ محمّد بن عبد الحكم على أنّ سماع العود تردّ به الشّهادة ، إلاّ إن كان ذلك في عرس أو صنيع ليس معه شراب يسكر فإنّه لا يمنع من قبول الشّهادة ، وقيّد الحنفيّة ردّ شهادة المغنّي بأن يغني للنّاس بأجرة .
«- والوقف على المغنّي»
10 - نصّ الحنابلة على أنّ الوقف لا يصحّ على جهة المغاني ، ويصحّ على معيّن متّصف بذلك ويستحقّه لو زال ذلك الوصف ، ويلغو شرط الواقف ما دام كذلك ، وسائر المذاهب على عدم صحّة الوقف على جهة المعصية . « راجع مصطلح : وقف » .
«التّغنّي بالقرآن الكريم»
11 - ذهب جمهور الفقهاء : إلى عدم جواز تلاوة القرآن الكريم أو الاستماع إليه بالتّرجيع والتّلحين المفرط . أمّا تحسين الصّوت بقراءة القرآن من غير مخالفة لأصول القراءة فهو مستحبّ واستماعه حسن ، لقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « زيّنوا القرآن بأصواتكم » وتفصيل ذلك في « استماع ف 7 » .


الموسوعة الفقهية الكويتية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق