الاثنين، 10 ديسمبر 2012

ماذا تعرف عن الفلسفة الهندية تعال لنقرأ معاً






الهندية، الفلسفة. الفلسفة الهندية من أقدم آثارها الكتابات الدينية القديمة المسماة الفيدا، وهي مجموعة من النصوص المقدسة المكتوبة بالسنسكريتية، وتتكون من أربعة كتب: الريج ـ فيدا المشتمل على الصلوات الموجهة للآلهة. الياجور ـ فيدا المشتمل على العبارات المرافقة للقرابين وتفسير الكهنة للمذهب. الساما ـ فيدا المتعلقة بالأناشيد. الأثارفا ـ فيدا الخاصة بالتعاويذ والطقوس السحرية كما يشتمل أدب الفيدا على أربعة نصوص تسمى شروتي، أي الكتب المنزلة وهي: السامهيتا وهي تسابيح وصلوات وبركات. والبراهمانا وهي كتابات من النثر تخص الطقوس المرافقة للقرابين والأرانيكا أو نصوص الطبيعة ولها علاقة بالتعاويذ السحرية والشعائر الدينية التي تخص الذين يتحوّلون من الحياة الدنيوية إلى الطبيعة. أما الأبانيشاد فهي نصوص فلسفية.
إن بعض هذه الأعمال يثير مسائل أساسية في الفلسفة، مثل: كيف نشأ العالم؟ وكيف ظل باقيًا ؟ وما أسسه؟ عن هذه الأسئلة تجيب بعض التسابيح الفيدية في زعمهم بذكر اسم إله معيّن. لكن النقطة الفلسفية الكبرى نجدها في الريج ـ فيدا العاشر ـ 129 أي تسابيح الخليقة، حيث جاء فيها أن أصل الخليقة يرجع إلى كائن غير مشخص يسمونه تاد إيكام؛ أي ذلك الأوحد الكامن في الشعور. وتوجد فكرة فلسفية أخرى مهمّة في تسابيح الريج ـ فيدا، وهي فكرة الرتا؛ أي النظام الكوني. تقول التسابيح: إن الكون بأكمله تتحكّم فيه قوانين طبيعية وأخلاقية مشتركة، ولايجوز لأحد أن ينتهكها. وقد وصل الفكر الفلسفي الفيدي إلى غايته القصوى في نصوص الأبانيشاد.

الفلسفة الفيدية

الأبانيشاد. يوجد 14 نصاً رئيسياً في الأبانيشاد. ولا يدري العلماء من ألفها، وأقدمها يرجع إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد.  وقد تناولت الأبانيشاد المسائل الفلسفية الرئيسية: ما طبيعة الواقع الحقيقي؟ وما العنصر الجوهري في البشرية ؟.
إن البحث عن العنصر الجوهري في البشرية، وبعبارة أخرى، الإجابة عن السؤال: من أنا ؟ كان دائمًا هو الضالة المنشودة بالنسبة للمفكرين الهنود. والسبب في ذلك أن الفلسفة الهندية كانت وثيقة الصلة بالحياة اليومية، حيث إن السؤال الرئيسي فيها هو: ماذا يجب عليّ أن أعمل ؟. وليس في مقدور الإنسان أن يجيب إجابة صحيحة عن هذا السؤال إذا كان لايعرف ما طبيعته الأساسية وطبيعة الواقع الحقيقي.
فكرة الوعي المحض. يمكن إعطاء العديد من الأجوبة للسؤال من أنا ؟، لأن الأنا ينبغي أن يكون هو ذلك الذي يظل ثابتاً رغم كل ما يصيبه من تغيّر. فأحد تلك الأجوبة هو أن الأنا يتمثل في جسدي الموجود في عالم الأشياء، والثابت بالخبرة الشعورية أثناء اليقظة. لكن جسمي يتغير بينما يظل الأنا ثابتًا على حاله. الجواب الثاني الممكن هو أن الأنا متمثل في العقل الذي يبقى يقظاً حتى في حالة الحلم، رغم أن الجسم مستغرق في النوم. ومع ذلك فالعقل أيضا يتغير في كل حين. زد على ذلك أنه في حالة النوم بدون أحلام، أظل على شيء من الدراية بدليل أن الإنسان عندما يستيقظ، يستطيع أن يقول: نمت نوما هادئاً. لذلك فالدراية، أو الوعي هو العنصر الجوهري في شخصيتي، باعتباره الشيء الوحيد المتوفر في كل حالة من أحوالي. ومما زاد مفكري الأبانيشاد يقينًا بوجود هذه البصيرة؛ أن الإنسان المستغرق في التأمل العميق قد يصل إلى حالة يسمونها توريا، وهي حالة من الوعي المحض تسمى آتما، ومنه قوله أنا آتما.
براهما. كان مفكرو الأبانيشاد، في بحثهم عن طبيعة الواقع الحقيقي، يريدون معرفة ماهو مشترك بين جميع الأشياء الموجودة في الكون. والرأي عندهم أن هذا الشيء المشترك هو الوجود، أو الكينونة. وهذه الكينونة سموها براهما، وخلصوا إلى القول أن العنصر الجوهري في الإنسان هو الوعي المحض. واعتقدوا بوجود تماثل وارتباط بين الإنسان الكون الأصغر والعالم الكون الأكبر لذلك فإن براهما هو أيضًا الوعي المحض.
وعندما ربط الفلاسفة الهنود القدامى، بين فكرتي جوهر البشرية وجوهر العالم تمخضت بصائرهم عن تلك الكتب المقدسة عندهم، أي الأبانيشاد. وعندما يقول الواحد منهم: أنا آتما، فكأنه يقول أنا براهما.

المادية الهندية

شرفاكا. يتضمن الفكر الهندي نظرة مادية للعالم، بوصفه نقيضًا للنظرة المثالية الموجودة في الأبانيشاد. وهذه النظرة المخالفة للمثالية تسمى شرفاكا ولها اسم آخر هو لوكاياتا؛ أي نظرة عامة الناس إلى العالم. ويرى الفكر الشرفاكي أن المكونات الأساسية للعالم هي العناصر الأربعة الآتية: الأرض والماء والنار والهواء. وما الروح إلا جسم كغيره من الأجسام. لكنها تتميز عليه بالشعور، وليس لها وجود خارج الجسم. وفي رأيهم أنه ليس هناك من عالم في الكون سوى العالم الذي نعيش فيه، وليس هناك من آخرة، وغاية الغايات أن يتمتع الإنسان على أكمل وجه بالحياة الدنيا.
اختلف الفلاسفة الشرفاكيون مع النظرة الفيدية للحياة، حيث اعتبروها خرافية ومنافية للعقل، لأن الحسّ في اعتقادهم هو المصدر الوحيد للمعرفة. أما المفكرون الفيديون فقد اعتمدوا على الاستدلال من أجل إقامة البرهان على وجود الآلهة والسماء والآخرة والأرواح. لذلك هاجم المفكرون الشرفاكيون مسألة الاستدلال، لأن الاستدلال قائم على أساس الترابط العالمي. مثلا: إذا استنتج شخص أن النار قد شبت، مستدلاً على ذلك بالدخان الذي رآه، فما عليه بعد ذلك إلا أن يطمئن إلى صحة المقولة: حيث يوجد الدخان توجد النار.
يقول الشرفاكيون بأن هذه المقولة العالمية لايمكن التوصل إليها عن طريق الإدراك بسبب انطباقها على الكثير من الحالات المتباينة. لذلك فالاستدلال لايمكن أن يفضي إلى المعرفة الحقة.
لكن رجال الدين الهندوس والفلاسفة الهنود عارضوا الأفكار الشرفاكية. وقد اندثرت أمهات كتب المدرسة المادية، بما في ذلك البرهسباتي ـ سوترا التي يرجع تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد. لذلك فإن الفلاسفة المحدثين استنبطوا الأفكار الشرفاكية من الشروح والانتقادات التي وجهها خصومها في بحوثهم الأكاديمية حول الفلسفة المادية الهندية.

اليانية

اليانية هي إحدى الفلسفات الهندية الثلاث التي رفضت تعاليم الفيدا، مثلها في ذلك مثل الشرفاكا والبوذية. ومهافيرا أشهر زعمائها (599 - 527 ق.م).
العقيدة اليانية. تقول اليانية إن مصادر المعرفة ثلاثة: الإدراك والاستدلال والشهادة. ويعتقد أصحابها أن أي حكم من الأحكام العقلية ليس صحيحًا إلا من وجهة نظر معينة. لذلك فالادعاء بأن الحكم صحيح دون قيد أو شرط، قد يؤدي إلى الجزمية (الدوجماتية) والتعصب.
ويعتقد اليانيون أن كل الأشياء الطبيعية تتألف من ذرات وأن جميع الكائنات الحية لها روح. فالروح ـ مثلها مثل النور ـ تنتشر في البدن الذي تحل به بأكمله. والشعور جوهر الروح. وعندما تكون الروح في حالة جيدة فإنها تبلغ الكمال المعرفي، لكن ارتباطها بالمادة يجعل الروح عاجزة عن ممارسة وظيفتها الطبيعية.
جواهر اليانية الثلاثة. يعتقد اليانيون أن الروح، وإن كانت تتصف بالكمال أساسًا، إلا أنها تجد نفسها مقيّدة. ومن معتقدات الكارما أن الخبرة الماضية للروح تحدد نوع الجسد المتقمّص لها وما يترتب على ذلك من قيود. وتقول الفلسفة اليانية: إن الخلاص يتم عن طريق الجواهر الثلاثة، وهي الإيمان الصادق والمعرفة الصحيحة والسلوك القويم. ويستلزم السلوك القويم ممارسة خمس خصال: 1-عدم العُنف. 2- الصدق في القول. 3- الامتناع عن السرقة. 4- العفة. 5- عدم التّشبُّث بأمور الدنيا.
وأتباع اليانية هم أول من اتخذوا عدم العُنف قاعدة لهم في الحياة. وإذا تحلّى الإنسان بهذه الجواهر الثلاثة فسوف ينجح في التغلب على كل الأهواء ويحقق الخلاص لروحه، وبذلك تبلغ روحه الكمال بجوانبه الأربعة: المعرفة اللامتناهية، الإيمان اللامتناهي، القوة اللامتناهية، والنعيم اللامتناهي.

البوذية

بوذا. أحس بوذا، مؤسس البوذية، بما يعانيه الناس من عذاب، خاصة عذاب المرض والشيخوخة والموت، فحاول أن يعلّم قومه كيف يضعون حدًا لكل أنواع العذاب؛ لذلك دعا إلى الحقائق الأربع التالية:
1- الحياة حزن. 2- الطمع هو سبب الحزن. 3- إزالة السبب (الطمع) تضع حدًا للحزن. 4- الطريق المؤدي إلى إبعاد الحزن هو السبيل النبيل ذو الفروع الثمانية
أصول البوذية. ارتكز بوذا في فلسفته كلها على فكرة بسيطة من حيث الظاهر وهي: قانون التبعية النشوئية. ويقضي هذا القانون بأن كل شيء في الكون تابع من حيث المنشأ لشيء آخر هو السبب. فما الأشياء إلا متتابعات من الأحداث، والكون زائل إذ ليس هناك من ذات دائمة ـ وهذه الفكرة مناقضة للنظرية الأبانيشادية التي تقول إن الروح الخالدة هي ماهية الإنسان.
يعتقد بوذا أن تشبث الإنسان بالدنيا ناتج عن فكرة خاطئة تتمثل في الظن بأن الأنا أو الذات تتصف بالدوام. فالإنسان، بعدوله عن هذه الفكرة واتباعه للسبيل النبيل ذي الفروع الثمانية، يحصل على السراح المطلق.
لم يبحث بوذا في المسائل الميتافيزيقية لأنه يعتقد أن الأسئلة التي هي من نوع: هل العالم خالد؟ لايمكن الإجابة عنها، لذلك فلا فائدة من الخوض فيها.

المنظومات الاتباعية

يشتمل الفكر الفلسفي الهندي على ست منظومات تعد اتباعية لأنها سارت على النهج الذي اختطته كتب الفيدا. أما الشرفاكا واليانية والبوذية فتعتبر ابتداعية لأنها لاتعترف بنفوذ كتب الفيدا.
والمنظومات الاتباعية الست هي النيايا والفايشاشيكا الصمخيا واليوجا والميمنسا والفيدنتا. انظر:  نشأت هذه المنظومات الفلسفية في وقت واحد، ولكل واحدة منها حجج قوية يستدل بها أتباعها، ولكل منها كتاب يلخص أفكارها في جملة من الأقوال المأثورة تسمى السوترا، وعليها تعليقات تشرح المنظومة شرحاً وافياً، وتدحض أو ترفض حجج خصومها. ويرجع تاريخ تأليفها إلى مابين 4000ق م. والقرن السابع الميلادي. أما شروحها المفصلة فتاريخها مابين القرنين السابع والسابع عشر الميلاديين.

النيايا

الفيلسوف نيايا جوتاما. ألّف النيايا سوترا في القرن الرابع قبل الميلاد. تشتهر النيايا، أي القاعدة أو القانون، بمعالجتها لنظرية المعرفة والمنطق. وفي الواقع فإن منطق النيايا قد اعتمدته جميع الأنظمة.
وفيما يخص المعرفة، تُميّز النيايا بين أربعة عوامل: العارف، والمعروف، والحالة الناتجة عن المعرفة، ثم الوسائل المعتمدة للمعرفة. أما عن كون المعرفة الناتجة صحيحة أوخاطئة فالأمر مرهون بوسائل المعرفة، المسماة برامانا، أي الوسائل الصالحة للمعرفة، وهي حسب مايراه نيايا، أربع: الإدراك، والاستدلال، والمقارنة، والشهادة اللفظية.
وفي الإدراك تتصل الذات الواعية اتصالاً مباشراً بموضوع المعرفة، مستعينة في ذلك بالعقل والحواس. والمعرفة المعتمدة على الإدراك قد تكون في حد ذاتها صالحة، مع العلم بأنه يمكن تصحيحها عن طريق التجربة التالية لها.
أما الاستدلال فيقصد به المعرفة اللاحقة لمعرفة أخرى. والاستدلال لايصح إلا إذا لم يكن مرتبطاً بالمفاهيم الكونية. فنحن نستدل على أن النار نشبت في الربوة، من كون الدخان يتصاعد فوقها، وهذا بناءً على أن الدخان مرتبط كونيًا بالنار. ويشتمل الاستنتاج المنطقي على خمس خطوات: 1- المقدمة التي نريد إثباتها، مثل أن نقول: شبت النار في الربوة. 2- السبب المتمثل في أن الدخان يتصاعد فوقها. 3- ارتباط المقدمة بمفهوم عالمي: حينما يوجد دخان توجد نار، كالمطبخ مثلاً. 4- إطلاق الحكم بأن الدخان يتصاعد من الربوة. 5- الاستنتاج المتمثل في أن الربوة شبت فيها النار.
ويمكن إثبات صحة الأحكام أو المفاهيم العالمية، بضرب الأمثال الإيجابية أو السلبية التي بوساطتها يتبين أنه لايمكن اعتماد فرضية أخرى لشرح السبب فيما حدث.
أما لدى المقارنة فإننا نتعرف على العلاقة الموجودة بين الاسم والمسمى. فالشخص الذي لايعرف ما المقصود باسم نيلغاي مثلاً، قد يسأل ساكن الأحراش، فيشرح له بأنه حيوان شبيه بالبقرة يعيش في الهند، وإذا صادف مثل هذا الحيوان فسوف يوجد العلاقة بين الاسم نيلغاي والمسمى. وقد تمت هذه المعرفة عن طريق المقارنة.
أما الشهادة اللفظية فهي الإعلام والإفادة بشيء مجهول لدى السامع، وتكون صادرة عن شخص جدير بالثقة، عارف بالأمور وناطق بالحق.
وجود الإله. قدم الفلاسفة من أتباع نيايا، حجتين على وجود إله، الأولى تقول إن الأفراح والأتراح ناتجة عما قمنا به من أفعال في الماضي. فالإنسان الذي يستحق المدح أو القدح على ما قام به من أعمال صالحة أو طالحة، يزعمون أنه يتراكم لديه رصيد بعضه إيجابي والبعض الآخر سلبي. وباجتماعهما تنشأ لديه الأدرستا أو القوة الكامنة. لكن الأدرستا لايمكنها وحدها أن تجعل الحياة أفراحاً أو أتراحاً، إذ لابد لهذه الأدرستا أن تسترشد بكائن إلهي، من صفاته البقاء والقوة اللامتناهية والمعرفة اللامتناهية.
الحجة الثانية على وجود الإله هي السببية، وبمقتضاها فإن الوحدات الموجودة في الكون، كالجبال والحيوانات إنما هي مثل الأواني والأدوات بديعة الصنع. فهي متألفة من قطع مترابطة تشكل فيما بينها نظامًا كونيًا، وهذا النظام يستلزم وجود خالق هو الله.
البدن والروح. يعتقد نيايا بوجود عالم موضوعي يتمثل في الأشياء ذات الأبدان وفي الأرواح المتجدّدة من الأبدان، وما من كائن بشري إلا وله نفس وبدن. والنفس فريدة وخالدة، ومن صفاتها المعرفة والشعور. ورغم أن الوعي مرتبط بالروح، إلا أنه ليس من الصفات الضرورية، لأن حالات الوعي لاتعرض إلا عندما تكون الروح مرتبطة بالبدن.
يعتقد نيايا أن الغاية المثلى في الحياة تتمثل في تحقيق التحرر، أي التخلص من الألم المرتبط بكون الذات سجينة في البدن ومُسَخّرة للدخول في حلقة الولادة والتولد.
ولكي يحقق الإنسان تحرره ينبغي أن يكتسب المعرفة الصحيحة لروحه، وذلك عن طريق الاستقامة في الحياة والتشبع بالتعاليم الدينية والتأمل العميق. وعندما يمكِّن روحه من تحقيق طبيعتها الحقيقية فلن يكون مدفوعًا في عمله بالأهواء والشهوات، ولن يعاني من عذاب الكارما أي البعث للحياة مرات لاتحصى. وعندما يضع الإنسان حدًا لارتباطه بالبدن فإن جميع آلامه تزول، وتلك هي الحالة المثلى للروح.

الفايشاشيكا

من تأليف الفيلسوف كانادا (قبل القرن الرابع قبل الميلاد). وهي منظومة في الطبيعة وماوراء الطبيعة. (الميتافيزيقا) انظر: الميتافيزيقا. وقد اعتمد فيها كانادا على نظرية نيايا في المعرفة والمنطق، مع إدخال تعديل عليها. ولم تكن فكرة الإله واضحة في البداية، إلا أن كانادا تبنى فيما بعد هذه الفكرة متأثرًا في ذلك بالفيلسوف نيايا.
أنواع الحقيقة السبعة. تميز منظومة الفايشاشيكا سبعة أنواع ملحوظة من الحقيقة: الماهية، الخاصية، الفعل، العمومية، الخصوصية، اللاوجودية، التأصل. والماهية هي الأساس للخصائص والأفعال. وتوجد تسعة أنواع من الماهيات، خمسة منها تعد عناصر فيزيائية: التراب، الماء، الضوء، الهواء، الأثير. ولكل عنصر منها خاصية تمكننا من إدراكه وتمييزه. فالرائحة هي الخاصية النوعية للتراب، والمذاق للماء، واللون للضوء، والملمس للهواء، والصوت للأثير. أما الأنواع الأربعة الأخرى فهي ماهيات غير مادية؛ أي الزمان، المكان، الروح، العقل.
وتنظر الفايشاشيكا إلى عالم الأشياء على أساس أنه يتركب من أربعة أنواع من الذرات غير المرئية: التراب، الماء، الضوء، الهواء. وإذا اجتمعت ذرتان من الماهية يتشكل منهما الثنائي التركيب، ويظل مع ذلك في منتهى الصِغَر. وإذا اجتمعت ثلاثة تراكيب ثنائية مضبوطة بإحكام، يتشكل منها الثلاثي التركيب، وهو أصغر جسيم من الماهية يمكن إدراكه. وجميع الأشياء المركبة المألوفة لدينا، مثل الجرة والشجرة، هي كلها مصنوعة على هذا المنوال.
فلك العالم. تنظر الفايشاشيكا، كغيرها من المنظومات الفلسفية الهندية الاتباعية، إلى العالم على أنه سابح في فلك. وفي هذا الفلك ـ كما يزعمون ـ خُلق العالم وأُمِدّ بأسباب الحياة وأزيل من الوجود. ثم بعد فترة من توقف النشاط، يعاد خلقه وهكذا دواليك. وهذا الفلك ليست له بداية ولا نهاية. أما أثناء توقف النشاط فإن العالم يكون ذرات من التراب والماء والضوء والهواء (لكنه خال من الأشياء المركبة)، بالإضافة إلى الأثير والزمان والمكان وعدد لايحصى من الأرواح والعقول.
والإله هو الرب الأعلى للفلك. أما الأرواح فقد يجتمع لها حسنات وسيئات عبر الأطوار المتعددة من وجودها. ولكي يتعزر النظام الأخلاقي في العالم وتنال كل روح ماتستحق من جزاء، فإن الإله يبدأ عملية الخلق، ذلك لأن الذرات يجتمع شملها في ثنائيات التركيب ثم في ثلاثيات التركيب التي تتشكل منها الجزيئات. بهذه الكيفية تتألف العناصر البدائية الأربعة وهي الهواء والماء والتراب والضوء. ثم من مجرد فكرة إلهية يتخلق من ذرات الضوء والتراب، جنين العالم براهمندا. ثم يبعث الإله الحياة في الجنين بوساطة براهما، روح العالم. ويتولى براهما خلق العالم في تفاصيله المحسوسة، وذلك بالمواءمة بين حياة كل إنسان مع ما لروحه من الحسنات.
وهكذا فالعالم المخلوق يجري إلى مستقر له عبر ملايين السنين، أثناءها يوفق العديد من الأرواح في مسعاها للتحرر، فتتخلص من ربقة التولّد المستمر. أما بقية الخليقة فتحتاج إلى فترة من الراحة، مثلما يحتاج الإنسان إلى الاستراحة ليلاً بعد يوم مُنهِك. عندئذ يفني الإله العالم، حيث تتفكك جميع الأشياء المركبة إلى ذرات ويؤول العالم إلى حالة من النشاط المتوقف كما يزعمون. لكن يتبقى على الأرواح الآمنة أن تجتهد لكي تحسّن مما لها من الحسنات والسيئات. ثم قد يُبْعَث العالم من جديد المرة تلو المرة ـ على حسب زعم الفلسفة الهندية.

الصمخيا

من المعروف أن صاحب المدرسة الفلسفية الصمخية هو كابيلا، وهو شخص يكتنفه الغموض، ويعتقد أنه عاش في غضون القرن السابع قبل الميلاد. وأول كتاب اشتهرت به هذه المدرسة هو الصمخيا ـ سوترا، من تأليف كابيلا. لكن الصمخيا ـ كاريكا، من تأليف إسفار كريشنا هو أقدم ماوصَلَنَا من النصوص الصمخية، حيث صدر في غضون القرن الثالث الميلادي.
ينطلق الفكر الصمخي من القول بأنه، ما من تجربة إلا وتشتمل على قطبين أو طرفين: الذات العارضة بوروشا والموضوع المعروف براكريتي. فالعالم يتمثّل في هذين الواقعين: الروح بوروشا والطبيعة براكريتي التي لا تشتمل على الجانب الفيزيائي المادي فحسب، بل على الجانب النفسي أيضًا.
وتقول الفلسفة الصمخية إن الطبيعة في أصلها لها وضعية واحدة متركبة من ثلاثة عناصر: اللذة (سطفا)، النشاط (راجاس)، والفتور (تاماس). وهذه الجوانب متوازنة فيما بينها. أما الذات العارفة فالمقصود بها هو الوعي الذاتي المحض، وهي منفصلة عما يحدث من تغير ونشاط لأن الأشياء وحدها هي التي تتغير.

اليوجا

مؤسس اليوجا هو بتنجالي، وكان ذلك في غضون القرن الثاني قبل الميلاد. وأول كتاب يشرح مبادئ هذه المدرسة الفلسفية هو اليوجا ـ سوترا أو البتنجالا ـ سوترا، ولها علاقة ارتباط بالفلسفة الصمخية، حيث اقتبست منها تعاليمها النفسية والميتافيزيقية. وقد تصدت لتطبيق النظرية الصمخية في الحياة اليومية من أجل تحقيق المقاصد الروحية. يرى بتنجالي أن اليوجا تتمثل في الاجتهاد المنهجي للوصول إلى الكمال. ويتأتى ذلك بالتحكم في مختلف جوانب الطبيعة البشرية، الجسمية والنفسية. وتعترف معظم المدارس الفلسفية الهندية بقيمة اليوجا.
الجانب النفسي في اليوجا. تعد اليوجا الإنسان ذاتًا عارفة (بوروشا) مرتبطة بالجسم، حيث يسمى العنصر اللطيف فيه الشيتا الذي يحمل اسم بوذي في الفلسفة الصمخية. وجميع الحالات الذهنية إنما هي تغيرات تطرأ على الشيتا. وكلما حدثت تلك التغيرات فإن الذات العارفة تتراءى من خلالها وتشخص فيها. وينتج عن ذلك أن الذات العارفة تشعر بأنها مقيّدة، ثم من ناحية أخرى، إذا كانت كل التغيرات الطارئة على الشيتا مكبوتة، وآل (الشيتا، أوالفكر) إلى حالة من السكينة فإن الذات تتحقق لكي تصبح كيانًا متميزًا عن العقل والجسم، فتتمتع بالحرية وبالوعي المشرق. وهدف اليوجا هو التوصل إلى هذه النتيجة من خلال توقف وظائف الشيتا (الفكر).
طريقة اليوجا ذات الشعب الثماني. يدعي متبعو هذه الفلسفة أن حياة البشر مبتلاة بالجهل، أي الاعتقاد بأن العقل عاجز عن فهم الواقع. وهذا التنكر للمعرفة يتمثل في الميل إلى ما هو زائل غير خالد، مع الاتصاف بالأنانية والاستسلام للذّة والتهرب من الكَدّ والتشبث بالدنيا. فهذه البلايا هي التي تدخل اضطرابًا كبيرًا على الشيتا، أي الفكر. وتقترح فلسفة اليوجا طريقًا ذا ثماني شعب للتغلب على هذه البلايا:
1- الياما؛ أي كبح جماح النفس، ويتمثل في الأهيمسا؛ أي عدم العُنف، الصاتيا؛ أي الصدقية، الأصطبا أي؛ الأمانة، البراهما شريا؛ أي التحكم في شهوات الجسم، الأبرغراها؛ أي الكرم. 2- النياما؛ أي الامتثال، من حيث الطهارة جسمًا وعقلاً، ثم القناعة، والكفارة عن الذنوب، والدراسة والتوكل على الإله في كل عمل. 3- الأزانا؛ أي إخضاع الجسم للانضباط باتخاذ أوضاع مستقرة مريحة. 4- البراناياما؛ أي انتظام التنفس. 5- البراتياهارا؛ أي قطع الصلة بين الحواس والأشياء المادية مع إخضاعها لمراقبة العقل. 6- الذارانا؛ أي الانتباه، ويتمثل في الانضباط الذهني، بتوجيه العقل للنظر إلى شيء منفرد. 7- الذيانا؛ أي التأمل الثابت في الشيء المنتقى، دون أي تشويش عليه. 8- الصاماذي؛ أي التركيز، وهو الخطوة الأخيرة، حيث يكون العقل منهمكًا في التأمل إلى درجة أنه يفقد الوعي بذاته. ففي مثل هذه الحالة، يكف الشيتا؛ أي العنصر اللطيف في الذات العارفة، عن أي تغير، وتعود الروح إلى ما كانت عليه من الخلود والصفاء.

الميمنسا

قام جايمين، مؤسس المدرسة الميمنسوية، بتأليف كتابه ميمنسا ـ سوترا في القرن الأول قبل الميلاد، وذلك بقصد إيجاد مبررات فلسفية للطقوس الفيدية، وبهذا المسعى قدم مساهمة بارزة لتطوير الفلسفة الهندية.
إن المفكرين الميمنسويين وضعوا منطقًا يقوم على النصائح والأوامر، وأدخلوا نمطين جديدين من الاستدلال: الافتراض و تصحيح الإداراك. فالافتراض يقضي بقبول رأي يعطي تفسيراً معقولاً لبعض الوقائع: كالقول مثلا إن الشخص الذي يسمن باستمرار (مع أنه يمتنع عن الأكل في النهار) ما من شك أنه يأكل ليلاً. أما تصحيح الإدراك فقد جعل الواحد منا يدرك على الفور أن الشيء الذي كنا ننتظره لن يكون في الحقيقة موجودًا أمامنا، مثل غياب الممثلين عن خشبة المسرح عندما يرتفع الستار.

الفيدنتا

بما أن كتب الأبانيشاد قد دوّنت الكثير من الآراء الفلسفية للعديد من المفكرين، فإنها تشتمل على مختلف الأفكار التي تندرج تحت نظرة عامة موحدة. فالفيلسوف بدريانا، في كتابه الفيدنتا ـ سوترا الذي ألّفه في غضون القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد. قام بجمع تعاليم الأبانيشاد واتخذ منها نظاماً متكاملاً. وقد فتحت ملخصاته المجال للعديد من التأويلات، فكُتبت حولها شروحٌ كثيرة أهمها شرح الفيلسوفين شنكراجاريا في غضون القرن التاسع الميلادي، وشرح رمنوجا في غضون القرن الحادي عشر الميلادي، اللذان يعدان من النصوص الأساسية التي اعتمدت عليها المدرستان الشهيرتان في الفكر الفيدنتي، وهما أدفايتا وفيشستدفايتا.
الأدفايتا. يرى شنكراجاريا أن البشر يدركون العالم من خلال منظورين: فبالنسبة للمنظور الأعلى يعدون الواقع مشخصًا في براهما: العليم، المنزّه عن النقائص، الخالد. أما بالنسبة للمنظور في الأدنى فالعالم يبدو لهم مكونًا من المواد والأرواح، خلقها الله وأمدها بأسباب الحياة.
لكن، كيف تكوّن هذان المنظوران في ذهن الإنسان؟
إن براهما يتمتع بقدرة إلهية (المايا) تمكنه من أن يستحضر في الذهن عالمًا حافلاً بالمشاهد السحرية. أما روح الإنسان فهي في حالة من الجهل (أفيديا) وبالتالي فإن منظورها هو من المستوى الأدنى، مما يجعلها تعد عالم المشاهد السحرية مطابقاً للواقع. لذلك لابد للروح أن تتعذب وأن تولد المرة تلو المرة، وفق قانون الكارما. لكن الإنسان عندما يتأتى له أن يقضي على جهله فإنه يدرك أن العالم زائف وأن الواقع يتمثل في براهما وحده، وأنه، هو وبراهما، كيان واحد. عندئذ يتحرر تماما ويصل إلى درجة الموكشا.
يعتقد شنكراجاريا أن الطريق الوحيد للتحرر إنما يكون بالمعرفة الصحيحة التي يمكن الحصول عليها بالاستقامة الأخلاقية والدراسة على يد معلم مقتدر.
أزعجت منظومة شنكراجاريا الفلسفية الأوساط المتمسكة بالأديان الهندية الوثنية، لأنه قال إن كل الأشياء، بما فيها الإله، إنما هي جزء من العالم الزائف. أما رامانوجا، الذي كان من الأتباع المتحمسين للإله فيشنو، فقد تصدى للرد على شنكراجاريا على شرحه الخاطئ لكتب الأبانيشاد، وكان ذلك في عمله الأساسي، بعنوان سريبهاشيا، حيث قام بشرح الفيدنتا ـ سوترا.
الفيشستدفايتا. قام رامانوجا بتأسيس المدرسة الفيدنتية الكبرى الثانية المسماة، الفيشستدفايتا، حيث حاول أن يبرهن على أن تصور شنكراجاريا حول براهما جعله أمرًا مجردًا من الكينونة، كما أن تصوره للقدرة الإلهية (المايا) غير معقول، لأنه يبعث على الاعتقاد بأن براهما قد يقع في الوهم، فيظن بأنه ليس وعيًا وحدويًا محضًا، وإنما هو عدد وافر من الأشياء الجامدة والكائنات الحية المتغيرة.
أما رامانوجا فيقول إن براهما وأرواح الناس والأشياء المادية، كلها واقعية. على أن براهما يمثل الواقعية ذات الاستقلال، بينما الأرواح والأشياء المادية هي تابعة لبراهما. فالعالم بما في ذلك الأرواح وبراهما، مترابطان، مثل ارتباط الجسم بالروح ولا ينفصلان، بحيث يقوم براهما بالمراقبة من الداخل. أما الروح، الحبيسة في الجسم، فهي قادرة على تحقيق خلاصها إذا هي واظبت على ذكر الإله واستمرت فيه. كما أن التفاني في العبادة يتطور إلى تجلي المعبود على الفور، مما يؤدّي إلى زوال قانون الكارما، أي تكرر الولادة، وبذلك يتحصل العابد على التحرر من قيوده الموكشا.

الفلسفة الهندية المعاصرة

لم تحدث تطورات جديدة في الفلسفة الهندية فيما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر الميلاديين. أما في القرن العشرين الميلادي فقد شهد بداية حركة تجديدية في الفلسفة. وكان سرفيبالي رذاكريشنان (1888 - 1975م) أبرز الدعاة إلى تجديد بناء الأدفايتا. أما سري أوروبندو (1873 - 1950م) ففي فلسفته حول الفيدنتا المتكاملة قد انتقل بالفيدنتا، من نظرتها المتبصرة إلى منظومة فلسفية متطورة، حيث ترقى الإنسانية من الصعيد المادي إلى صعيد العقل الأعلى. كما أن موهنداس كرمشند غاندي (1869 - 1948م) وضع فلسفة سياسية اجتماعية مرتكزة على الأهيمسا أو عدم العنف، وعلى الحقيقة. أما ك.س. يهاتشاريا (1875 - 1949م) فقال إن الفينومينولوجيا (الظواهرية) أي الدراسة التفصيلية للخبرة الشعورية، قد تساعد في تحقيق الذات الطموح للحرية الكاملة. ووضع مانابندرا ناث روي (1889 - 1954م) للفلسفة المادية صيغة جديدة. ونظرًا لأنه يميل إلى الاتجاه الإنساني الراديكالي فقد عدّ الإنسانية جزءًا من الطبيعة المادية التي لا تستكمل مقومات ذاتها إلا إذا تشبّعت بقيم الحرية السياسية وبالديمقراطية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق