الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

قَسْم بين الزوجات على المذاهب الأربعة


قَسْم بين الزوجات

«التعريف»
1 - القَسْم - بفتح القاف وسكون السّين - لغةً : الفرز والتفريق ، يقال : قسمت الشيء قَسْماً: فرزته أجزاءً ، والقِسْم - بكسر القاف وسكون السّين - الاسم ثم أطلق على الحصة والنصيب ، والقَسَم - بفتح القاف والسّين - اليمين .
وفي الاصطلاح قال الجرجانيّ : قسمة الزوج : بيتوتته بالتسوية بين النّساء ، أو كما قال البهوتيّ : هو توزيع الزمان على زوجاته إن كن ثنتين فأكثر .

الألفاظ ذات الصّلة

«أ - العَدْل بين الزوجات»
2 - من معاني العدل في اللّغة : القصد في الأمور والاستقامة ، وهو خلاف الجور ، يقال : عدل في أمره عدْلاً وعدالةً ومعدِلةً : استقام ، وعدل في حكمه : حكم بالعدل .
وفي الاصطلاح : التسوية بين الزوجات في حقوقهن من القسم والنفقة والكسوة .
والقسم بين الزوجات أثر من آثار العدل ولوازمه .
«ب - العشرة بالمعروف»
3 - العشرة اسم من المعاشرة ، وهي في اللّغة المخالطة .
وفي الاصطلاح : ما يكون بين الزوجين من الألفة والانضمام .
والقسم بين الزوجات من المعاشرة بالمعروف .
«ج - البيتوتة»
4 - البيتوتة في اللّغة مصدر « بات » وهي في الأعمّ الأغلب بمعنى فعل الفعل بالليل ، يقال : بات يفعل كذا أي فعله بالليل ، ولا يكون إلا مع سهر الليل ، وعليه قول الله تعالى : « وَالذينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً » .
وقد تأتي نادراً بمعنى نام ليلاً .
وقد تأتي بات بمعنى صار ، يقال : بات بموضع كذا أي صار به ، سواء كان في ليل أو نهار ، وعلى هذا المعنى قول الفقهاء: بات عند امرأته ليلةً أي صار عندها سواء حصل معه نوم أم لا. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ .
والبيتوتة هي عماد القسم بين الزوجات في الغالب الأعمّ .
«الحكم التكليفيّ»
5 - ذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب القسم بين الزوجات ، وأوجبه المالكية والحنابلة وقد اتفق الفقهاء على أنه يجب على الرجل - إن كان له أكثر من زوجة - أن يعدل في القسم بين زوجاته ، وأن يسوّي بينهن فيه ; لأن ذلك من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله عز وجل بها في قوله سبحانه وتعالى : « وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ » ، وليس مع عدم التسوية في القسم بين الزوجات معاشرة لهن بالمعروف ، ولما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقّه ساقط » ، وللاتّباع والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في قَسْمه بين أزواجه وعدله بينهن فقد كان صلى الله عليه وسلم على غاية من العدل في ذلك ، قال الشافعيّ : بلغنا « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم فيعدل » ... وأنه « كان يطاف به محمولاً في مرضه على نسائه حتى حللنه » .
وقالوا : أن من كان له أكثر من زوجة فبات عند واحدة لزمه المبيت عند من بقي منهن .. تسويةً بينهن .
وصرح بعض فقهاء الشافعية بأن لزوم المبيت عند بقية الزوجات إن بات عند إحداهن يكون على الفور ، لأنه حقّ لزم وهو معرض للسّقوط بالموت ، فوجب على الزوج الخروج منه ما أمكنه ، ويعصي بتأخيره .
وعقب عليه الشبراملسي - الشافعيّ - بأنه لو تركه كان كبيرةً أخذاً من الخبر السابق .
ونص الشافعية على أن الواجب على الزوج إذا كان له أكثر من زوجة هو العدل بينهن في القسم إن قسم ، وله أن يعرض عنهن جميعاً إلا أنه يستحبّ أن لا يعطّلهن ، واستثنوا من جواز الإعراض عن الزوجات ابتداءً أو بعد نوبة أو أكثر ما لو حدث ما يمنع هذا الإعراض ، كأن ظلمها ثم بانت منه ، فإنه يجب عليه القضاء على الراجح بطريقه الشرعيّ وهو عودها إلى عصمته .
«ما يتحقق به العدل في القسم»
6 - ذهب الفقهاء إلى أنه يجب على الزوج العدل بين زوجتيه أو زوجاته في حقوقهن من القسم والنفقة والكسوة والسّكنى ، وهو التسوية بينهن في ذلك ، والأصل فيه قول الله تعالى : « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً » عقيب قوله تعالى : « فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ » ، ندب الله تعالى إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزّيادة ، وإنما يخاف على ترك الواجب ، فدل على أن العدل بينهن في القسم والنفقة واجب ، وإليه أشار في آخر الآية
بقوله عز وجل : « ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ » ،أي تجوروا ، والجور حرام فكان العدل واجباً ضرورةً ; ولأن العدل مأمور به في قوله تعالى : « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ » على العموم والإطلاق إلا ما خص أو قيّد بدليل ; ولأن النّساء رعية الزوج ، فإنه يحفظهن وينفق عليهن ، وكلّ راع مأمور بالعدل في رعيته .
والعدل الواجب في القسم يكون فيما يملكه الزوج ويقدر عليه من البيتوتة والتأنيس ونحو ذلك ، أما ما لا يملكه الزوج ولا يقدر عليه كالوطء ودواعيه ، وكالميل القلبيّ والمحبة .. فإنه لا يجب على الزوج العدل بين الزوجات في ذلك ; لأنه مبنيّ على النشاط للجماع أو دواعيه والشهوة ، وهو ما لا يملك توجيهه ولا يقدر عليه ، وكذلك الحكم بالنّسبة للميل القلبيّ والحبّ في القلوب والنّفوس فهو غير مقدور على توجيهه ، وقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله تعالى : « وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ » يعني في الحبّ والجماع ، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ويعدل ثم يقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك » يعني المحبة وميل القلب ; لأن القلوب بيد الله تعالى يصرّفها كيف شاء .
ونص الحنفية والشافعية والحنابلة على أنه يستحبّ للزوج أن يسوّي بين زوجاته في جميع الاستمتاعات من الوطء والقبلة ونحوهما لأنه أكمل في العدل بينهن ، وليحصنهن عن الاشتهاء للزّنا والميل إلى الفاحشة ، واقتداءً في العدل بينهن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد روي « أنه كان يسوّي بين نسائه حتى في القُبَل » .
ونص المالكية على أن الزوج يترك في الوطء لطبيعته في كلّ حال إلا لقصد إضرار لإحدى الزوجات بعدم الوطء - سواء تضررت بالفعل أم لا - ككفّه عن وطئها مع ميل طبعه إليه وهو عندها لتتوفر لذته لزوجته الأخرى ، فيجب عليه ترك الكفّ ; لأنه إضرار لا يحلّ .
ونقل ابن عابدين عن بعض أهل العلم أن الزوج إن ترك الوطء لعدم الداعية والانتشار عذر ، وإن تركه مع الداعية إليه لكن داعيته إلى الضرة أقوى فهو مما يدخل تحت قدرته .
7- وإذا قام الزوج بالواجب من النفقة والكسوة لكلّ واحدة من زوجاته ، فهل يجوز له بعد ذلك أن يفضّل إحداهن عن الأخرى في ذلك ، أم يجب عليه أن يسوّي بينهن في العطاء فيما زاد على الواجب من ذلك كما وجبت عليه التسوية في أصل الواجب ؟ اختلف الفقهاء في ذلك :
فذهب الشافعية والحنابلة وهو الأظهر عند المالكية إلى أن الزوج إن أقام لكلّ واحدة من زوجاته ما يجب لها ، فلا حرج عليه أن يوسّع على من شاء منهن بما شاء ، ونقل ابن قدامة عن أحمد في الرجل له امرأتان قال : له أن يفضّل إحداهما على الأخرى في النفقة والشهوات والكسوة إذا كانت الأخرى كفايةً ، ويشتري لهذه أرفع من ثوب هذه وتكون تلك في كفاية ، وهذا لأن التسوية في هذا كلّه تشقّ ، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج ، فسقط وجوبه ، كالتسوية في الوطء. لكنهم قالوا : إن الأولى أن يسوّي الرجل بين زوجاته في ذلك ، وعلل بعضهم ذلك بأنه للخروج من خلاف من أوجبه .
وقال ابن نافع : يجب أن يعدل الزوج بين زوجاته فيما يعطي من ماله بعد إقامته لكلّ واحدة منهن ما يجب لها .
ونص الحنفية على وجوب التسوية بين الزوجات في النفقة على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حال الزوج ، أما على قول من يرى أن النفقة تقدر بحسب حالهما فلا تجب التسوية وهو المفتى به ، فلا تجب التسوية بين الزوجات في النفقة لأن إحداهما قد تكون غنيةً وأخرى فقيرةً.
«الزوج الذي يستحقّ عليه القسم»
8 - ذهب الفقهاء إلى أن القسم للزوجات مستحقّ على كلّ زوج - في الجملة - بلا فرق بين حرّ وعبد ، وصحيح ومريض ، وفحل وخصيّ ومجبوب ، وبالغ ومراهق ومميّز يمكنه في الوطء، وعاقل ومجنون يؤمن من ضرره ... لأن القسم للصّحبة والمؤانسة وإزالة الوحشة وهي تتحقق من هؤلاء جميعاً .
لكن الفقهاء خصّوا قسم بعض الأزواج بالتفصيل ، ومن ذلك :
«أ - قسم الصبيّ لزوجاته»
9 - ذهب الفقهاء إلى أن الزوج الصبي المراهق أو المميّز الذي يمكنه الوطء يستحقّ عليه القسم ; لأنه لحقّ الزوجات ، وحقوق العباد تتوجه على الصبيّ عند تقرّر السبب ، وعلى وليّه إطافته على زوجاته ، والإثم على الوليّ إن لم يطف به عليهن أو جار الصبيّ أو قصر وعلم بذلك .
وأما الزوج الصبيّ الصغير فلا يجب على وليّه الطواف به على زوجاته لعدم انتفاعهن بوطئه ، وقال بعض الشافعية : لو نام عند بعض زوجاته وطلبت الباقيات بياته عندهن لزم وليه إجابتهن لذلك .
«ب - قسم الزوج المريض»
10 - ذهب الفقهاء إلى أن الزوج المريض يقسم بين زوجاته كالصحيح ، لأن القسم للصّحبة والمؤانسة وذلك يحصل من المريض كما يحصل من الصحيح ، وقد روت عائشة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنه كان يسأل في مرضه الذي مات فيه : أين أنا غداً ، أين أنا غداً ؟ »
واختلفوا فيما لو شق على المريض الطواف بنفسه على زوجاته :
فنقل ابن عابدين عن صاحب البحر قوله : لم أر كيفية قسمه في مرضه حيث كان لا يقدر على التحوّل إلى بيت الأخرى ، والظاهر أن المراد أنه إذا صح ذهب عند الأخرى بقدر ما أقام عند الأولى مريضاً ، ونقل عن صاحب النهر قوله : لا يخفى أنه إذا كان الاختيار في مقدار الدور إليه حال صحته ففي مرضه أولى ، فإذا مكث عند الأولى مدةً أقام عند الثانية بقدرها . قال ابن عابدين : وهذا إذا أراد أن يجعل مدة إقامته دوراً حتى لا ينافي أنه لو أقام عند إحداهما شهراً هدر ما مضى .
وقال المالكية : إذا لم يستطع الزوج الطواف بنفسه على زوجاته لشدة مرضه أقام عند من شاء الإقامة عندها ، أي لرفقها به في تمريضه ، لا لميله إليها فتمتنع الإقامة عندها ، ثم إذا صح ابتدأ القسم .
وقال الشّربينيّ الخطيب : من بات عند بعض نسوته بقرعة أو غيرها لزمه - ولو عنّيناً ومجبوباً ومريضاً - المبيت عند من بقي منهن لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقّه ساقط » .
« وكان صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه ويطاف به عليهن في مرضه حتى رضين بتمريضه ببيت عائشة رضي الله عنها » ، وفيه دليل على أن العذر والمرض لا يسقط القسم .
وقال الحنابلة : إن شق على الزوج المريض القسم استأذن أزواجه أن يكون عند إحداهن ، لما روت عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى نسائه فاجتمعن فقال : « إنّي لا أستطيع أن أدور بينكن فإن رأيتن أن تأذن لي فأكون عند عائشة فعلتن فأذن له» ، فإن لم يأذن له أن يقيم عند إحداهن أقام عند من تعيّنها القرعة أو اعتزلهن جميعاً إن أحب ذلك تعديلاً بينهن .
«ج - قسم الزوج المجنون»
11 - ذهب الفقهاء إلى أن المجنون الذي أطبق جنونه لا قسم عليه ; لأنه غير مكلف ، لكن القسم المستحق عليه لزوجاته يطالب به - في الجملة - وليّه ، على التفصيل التالي :
قال المالكية : يجب على وليّ المجنون إطافته على زوجتيه أو زوجاته ، كما يجب عليه نفقتهن وكسوتهن ; لأنه من الأمور البدنية التي يتولى استيفاءها له أو التمكين حتى تستوفى منه كالقصاص ، فهو من باب خطاب الوضع .
وقال الشافعية : لا يلزم الولي الطواف بالمجنون على زوجاته ، أمن منه الضرر أم لا ، إلا إن طولب بقضاء قسم وقع منه فيلزمه الطواف به عليهن قضاءً لحقّهن كقضاء الدين ، وذلك إذا أمن ضرره ، فإن لم يطالب فلا يلزمه ذلك ; لأن لهن التأخير إلى إفاقته لتتم المؤانسة ، ويلزم الولي الطواف به إن كان الجماع ينفعه بقول أهل الخبرة ، أو مال إليه ، فإن ضره الجماع وجب على وليّه منعه منه ، فإن تقطع الجنون وانضبط كيوم ويوم ، فأيام الجنون كالغيبة فتطرح ويقسم أيام إفاقته ، وإن لم ينضبط جنونه وأباته الوليّ في الجنون مع واحدة وأفاق في نوبة الأخرى قضى ما جرى في الجنون لنقصه .
وقال الحنابلة : المجنون المأمون الذي له زوجتان فأكثر يطوف به وليّه وجوباً عليهن ، لحصول الأنس به ، فإن خيف منه لكونه غير مأمون فلا قسم عليه لأنه لا يحصل منه أنس لهن، فإن لم يعدل الوليّ في القسم ثم أفاق الزوج من جنونه قضى للمظلومة ما فاتها استدراكاً لظلامته ، لأنه حقّ ثبت في ذمته فلزمه إيفاؤه حال الإفاقة كالمال .
«الزوجة التي تستحقّ القسم»
12 - يستحقّ القسم للزوجات المطيقات للوطء ، مسلمات أو كتابيات أو مختلفات ، حرائر أو إماء أو مختلفات ، وإن امتنع الوطء شرعاً كمحرمة ، وحائض ونفساء ومظاهر منها ومولىً منها ، أو امتنع عادةً كرتقاء ، أو امتنع طبعاً كمجنونة مأمونة ، ولا فرق بين مريضة وصحيحة، وصغيرة يمكن وطؤها وكبيرة ، وقسم الزوج لذوات الأعذار من الزوجات كما يقسم لغيرهن ; لأن الغرض من القسم الصّحبة والمؤانسة والسكن والإيواء والتحرّز عن التخصيص الموحش ، وحاجتهن داعية إلى ذلك ، والقسم من حقوق النّكاح ولا تفاوت بين الزوجات فيها ; لأن النّصوص الواردة بالعدل بين الزوجات والنهي عن الميل في القسم جاءت مطلقةً ، ونقل ابن المنذر الإجماع على أن القسم بين المسلمة والذّمّية سواء ; ولأن القسم من حقوق الزوجية فاستوت فيه المسلمة والكتابية كالنفقة والسّكنى .
وانظر مصطلح « رقّ ف /85 » .
لكن القسم في بعض الزوجات فيه مزيد تفصيل ومن ذلك :
«أ - القسم للمطلقة الرجعية»
13 - ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه ليس على الزوج أن يقسم لمطلقته الرجعية مع سائر زوجاته ; لأنها ليست زوجةً من كلّ وجه .
وذهب الحنفية إلى أن الزوج يقسم لمطلقته الرجعية مع غيرها من زوجاته وذلك إن قصد رجعتها ، وإلا فلا .
«ب - القسم للزوجة المعتدة من وطء شبهة»
14 - ذهب الشافعية إلى أن الزوجة المعتدة من وطء بشبهة لا يقسم لها الزوج ; لأن القسم للسكن والأنس والإيواء ، وهي في عدتها لا يحلّ لزوجها الخلوة بها ، بل يحرم .
واختلف الحنفية في القسم لها ، فنقل ابن عابدين صورةً من هذا الخلاف في قوله : قال في النهر : وعندي أنه يجب - أي القسم - للموطوءة بشبه أخذاً من قولهم إنه لمجرد الإيناس ودفع الوحشة ، واعترضه الحمويّ بأن الموطوءة بشبهة لا نفقة لها على زوجها في هذه العدة، ومعلوم أن القسم عبارة عن التسوية في البيتوتة والنفقة والسّكنى ، وزاد بعض الفضلاء أنه يخاف من القسم لها الوقوع في الحرام ; لأنها معتدة للغير ويحرم عليه مسّها وتقبيلها ، فلا يجب لها .
«القسم للزوجة الجديدة»
15 - اختلف الفقهاء في القسم للزوجة الجديدة لمن عنده زوجة أو زوجات غيرها ، هل يقسم لها قسماً خاصّاً ، أم تدخل في دور القسم كغيرها من الزوجات ؟
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الزوجة الجديدة - حرةً كانت أو أمةً - تختصّ بسبع ليال بلا قضاء للباقيات إن كانت بكراً ، وبثلاث ليال بلا قضاء إن كان ثيّباً ، وذلك لحديث : « للبكر سبع ، وللثيّب ثلاث » ، واختصت الزوجة الجديدة بذلك للأنس ولزوال الحشمة ، ولهذا سوى الشرع بين الحرة والأمة ، والمسلمة والكتابية في ذلك ; لأن ما يتعلق بالطبع لا يختلف بالرّقّ والحرّية ولا باختلاف الدّين ، وزيد للبكر الجديدة ; لأن حياءها أكثر ; ولأنها لم تجرّب الرّجال فتحتاج إلى إمهال وجبر وتأنّ ، أما الثيّب فإنها استحدثت الصّحبة فأكرمت بزيادة الوصلة وهي الثلاث .
واختصاص الزوجة الجديدة - بكراً أو ثيّباً - بهذا القسم هو حقّ لها على الصحيح عند المالكية، وهو واجب عند الشافعية ، ومن السّنة عند الحنابلة .
ويستحبّ للزوج أن يخيِّر زوجته الجديدة إن كانت ثيّباً بين ثلاث بلا قضاء للزوجات الباقيات وبين سبع مع قضاء لهن ، اقتداءً بفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم مع زوجته أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها حيث قال لها : « إن شئت سبعت عندك ، وإن شئت ثلثت ثم درت » وفي لفظ : « إن شئت أن أسبِّع لك ، وأسبِّع لنسائي ، وإن سبَّعت لك ، سبَّعت لنسائي » أي بلا قضاء بالنّسبة للثلاث وإلا لقال : « وثلثت لنسائي » كما قال : « وسبعت لنسائي » .
وإن تزوج امرأتين - بكرين كانتا أو ثيبتين أو بكراً وثيّباً - فزفتا إليه في ليلة واحدة ..
فقال الشافعية والحنابلة : يكره ذلك ; لأنه لا يمكنه الجمع بينهما في إيفاء حقّهما وتستضرّ التي يؤخّر حقها وتستوحش . ويقدّم أسبقهما دخولاً فيوفيها حق العقد ; لأن حقها سابق ، ثم يعود إلى الثانية فيوفيها حق العقد ; لأن حقها واجب عليه ترك العمل به في مدة الأولى لأن حق الأولى عارضه ورجّح عليه ، فإذا زال المعارض وجب العمل بالمقتضى .
ثم يبتدئ القسم بين زوجاته ليأتي بالواجب عليه من حقّ الدور ، فإن أدخلتا عليه في وقت واحد قدم إحداهما بالقرعة ; لأنهما استوتا في سبب الاستحقاق والقرعة مرجّحة عند التساوي .
وإن زفت إليه امرأة في مدة حقّ عقد امرأة زفت إليه قبلها تمم للأولى حق عقدها لسبقها ، ثم قضى حق عقد الثانية لزوال المعارض . ولو زفت إليه جديدة وله زوجتان قد وفاهما حقهما ، وفَّى الجديدة حقها واستأنف بعد ذلك القسم بين الجميع بالقرعة .
16 - وإن أراد من زفت إليه امرأتان معاً السفر بإحدى نسائه فأقرع بينهن فخرجت القرعة لإحدى الجديدتين سافر بها ، ودخل حقّ العقد في قسم السفر ; لأنه نوع قسم يختصّ بها ، فإذا قدم من سفره بدأ بالأخرى فوفاها حق العقد ; لأنه حقّ وجب لها ولم يؤدّه فلزمه قضاؤه كما لو لم يسافر بالأخرى معه ، فإن قدم من سفره قبل مضيّ مدة ينقضي فيها حقّ الأولى تممه في الحضر وقضى للحاضرة حقها ، فإن خرجت القرعة لغير الجديدتين وسافر بها قضى للجديدتين حقهما واحدةً بعد واحدة ، يقدّم السابقة دخولاً إن دخلت عليه إحداهما قبل الأخرى ، أو بقرعة إن دخلتا معاً ، وإن سافر بجديدة وقديمة بقرعة أو رضاً تمم للجديدة حق العقد ثم قسم بينها وبين الأخرى على السواء .
وقيد المالكية في المشهور من مذهبهم حق الزوجة الجديدة - بكراً أو ثيّباً - في هذا القسم بما إذا تزوجها الرجل على غيرها ، ومقابل المشهور عندهم أن الزوجة الجديدة لها هذا القسم مطلقاً . تزوجها على غيرها أم لا .
واختلف المالكية فيما تقدم به إحدى الزوجتين الجديدتين إن زفتا إلى الزوج في ليلة واحدة : فقال اللخميّ عن ابن عبد الحكم يقرع بينهما ، وقبله عبد الحقّ ، وفي أحد قولي مالك : إن الحق للزوج فهو مخير دون قرعة ، وقال ابن عرفة : الأظهر أنه إن سبقت إحداهما بالدّعاء للبناء قدّمت ، وإلا فسابقة العقد ، وإن عقدتا معاً فالقرعة .
وذهب الحنفية إلى أنه لا حق للزوجة الجديدة في زيادة قسم تختصّ به ، وقالوا : البكر والثيّب والقديمة والجديدة سواء في القسم ، لقوله تعالى : « وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ » وغايته القسم ، ولإطلاق أحاديث النهي عن الجور في القسم ; ولأن القسم من حقوق النّكاح ولا تفاوت بين الزوجات في ذلك ; ولأن الوحشة في الزوجة القديمة متحقّق حيث أدخل عليها من يغيظها وهي في الجديدة متوهمة ; ولأن للقديمة زيادة حرمة بالخدمة ، وإزالة الوحشة والنّفرة عند الجديدة تمكن بأن يقيم عندها السبع ثم يسبّع للباقيات ولم تنحصر في تخصيصها بالزّيادة .
«بدء القسم وما يكون به»
17 - اختلف الفقهاء في الوقت الذي يبدأ فيه الزوج القسم بين زوجاته ، وفيما يكون به الابتداء :
قال الحنفية والمالكية وهو مقابل الصحيح عند الشافعية : الرأي في البداءة في القسم إلى الزوج.
وأضاف المالكية : وندب الابتداء في القسم بالليل ; لأنه وقت الإيواء للزوجات ، ويقيم القادم من سفر نهاراً عند أيتهن أحب ولا يحسب ، ويستأنف القسم بالليل لأنه المقصود ، ويستحبّ أن ينزل عند التي خرج من عندها ليكمل لها يومها .
وذهب الشافعية - في الصحيح عندهم - والحنابلة إلى وجوب القرعة على الزوج بين الزوجات للابتداء إن تنازعن فيه ، وليس له إذا أراد الشّروع في القسم البداءة بإحداهن إلا بقرعة أو برضاهن ; لأن البداءة بإحداهن تفضيل لها على غيرها ، والتسوية بينهن واجبة ، ولأنهن متساويات في الحقّ ولا يمكن الجمع بينهن فوجب المصير إلى القرعة إن لم يرضين ، فيبدأ بمن خرجت قرعتها ، فإذا مضت نوبتها أقرع بين الباقيات ، ثم بين الأخريين ، فإذا تمت النوبة راعى الترتيب ولا حاجة إلى إعادة القرعة ، بخلاف ما إذا بدأ بلا قرعة فإنه يقرع بين الباقيات، فإذا تمت النوبة أقرع للابتداء .
وقالوا : للزوج أن يرتّب القسم على ليلة ويوم قبلها أو بعدها ; لأن المقصود حاصل بكلّ ولا يتفاوت ، لكن تقديم الليل أولى ; لأن النهار تابع لليل وللخروج من خلاف من عينه .
«الأصل في القسم»
18 - الأصل في القسم وعماده الليل ، وذلك باتّفاق الفقهاء ; لأنهم قالوا : التسوية الواجبة في القسم تكون في البيتوتة ; ولأن الليل للسكن والإيواء ، يأوي فيه الرجل إلى منزله ، ويسكن إلى أهله ، وينام في فراشه مع زوجته عادةً ، والنهار وقت العمل لكسب الرّزق والانتشار في الأرض طلباً للمعاش ، قال الله تعالى : « وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً ، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً » ، وقال سبحانه : « هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً » .
وفصل الشافعية والحنابلة ، ووافقهم بعض الحنفية ، فقالوا : الأصل في القسم لمن عمله الليل وكان النهار سكنه كالحارس ونحوه يكون النهار ; لأنه وقت سكونه ، وأما الليل فإنه وقت عمله، والأصل في القسم لمسافر وقت نزوله ; لأنه وقت خلوته ليلاً كان أو نهاراً ، قل أو كثر ، وإن تفاوت حصل لواحدة نصف يوم ولأخرى ربع يوم ، فلو كانت خلوته وقت السير دون وقت النّزول - كأن كان بمحفة وحالة النّزول يكون مع الجماعة في نحو خيمة - كان هو وقت القسم، والأصل في القسم لمجنون وقت إفاقته ، أو كما قال الشافعيّ : إنما القسم على المبيت كيف كان المبيت .
والنهار يدخل في القسم تبعاً لليل ، لما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : « توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي » ، وإنما قبض النبيّ صلى الله عليه وسلم نهاراً ، ويتبع اليوم ، الليلة الماضية أي التي سبقت ذلك اليوم ، وإن أحب الزوج أن يجعل النهار في القسم لزوجاته مضافاً إلى الليل الذي بعده جاز له ذلك ; لأنه لا يتفاوت ، والغرض العدل بين الزوجات وهو حاصل بذلك .
«مدة القسم»
19 - صرح الفقهاء بأن أقل نوب القسم لمن عمله نهاراً ليلة ، فلا يجوز ببعضها لما في التبعيض من تشويش العيش وتنغيصه ، إلا أن ترضى الزوجات بذلك .
واختلفوا في أكثر مدة القسم ، أي أكثر مقدار النوبة الواحدة من القسم ، على أقوال :
فذهب المالكية والحنابلة في المعتمد عندهم إلى أن القسم بين الزوجات يكون ليلةً وليلةً ولا يزيد على ذلك إلا برضاهن ، فإن رضين بالزّيادة على ذلك جاز ; لأن الحق لهن لا يعدوهن ، واستدلّوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قسم ليلةً وليلةً ولأن التسوية بينهن واجبة ، وإنما جوّزت البداءة بواحدة لتعذّر الجمع ، فإذا بات عند واحدة تعينت الليلة الثانية حقّاً للأخرى فلم يجز جعلها للأولى بغير رضاها ; ولأن الزوج إن قسم ليلتين وليلتين أو أكثر كان في ذلك تأخير لحقّ من لها الليلة الثانية ، وتأخير حقوق بعضهن لا يجوز بغير رضاهن ; ولأنه إذا كان له أربع نسوة فجعل لكلّ واحدة منهن ثلاثاً حصل تأخير الرابعة تسع ليال وذلك كثير فلم يجز كما لو كان له امرأتان فأراد أن يجعل لكلّ واحدة تسعاً ; ولأن للتأخير آفات فلا يجوز مع إمكان التعجيل بغير رضا المستحقّ كتأخير الدين الحالّ .
ونقل الحطاب عن الجواهر أن الزوج لا يزيد في القسم على ليلة إلا أن ترضى الزوجات ويرضى بالزّيادة ، أو يكن في بلاد متباعدة فيقسم الجمعة أو الشهر على حسب ما يمكنه بحيث لا يناله ضرر لقلة المدة ، ونقل عن اللخميّ أن الرجل إن كانت له زوجتان ببلدين جاز قسمه جمعةً وشهراً وشهرين على قدر بعد الموضعين مما لا يضرّ به ، ولا يقيم عند إحداهن إلا لتجرٍ أو ضيعة .
وذهب الحنفية وهو وجه شاذّ عند الشافعية إلى أن تحديد الدور إلى الزوج إن شاء حدده بيوم أو يومين أو أكثر ، وله الخيار في ذلك ; لأن المستحق عليه التسوية وقد وجدت . لكن الكمال بن الهمام عقب على ذلك بقوله : لو أراد أن يدور سنةً سنةً ما يظنّ إطلاق ذلك له ، بل ينبغي أن لا يطلق له مقدار مدة الإيلاء وهو أربعة أشهر ، وإذا كان وجوبه للتأنيس ودفع الوحشة وجب أن تعتبر المدة القريبة وأظنّ أكثر من جمعة مضارةً إلا أن ترضيا به .
وقال الحصكفيّ والتمرتاشي نقلاً عن الخلاصة : يقيم عند كلّ واحدة منهن يوماً وليلةً ، وإن شاء ثلاثة أيام ولياليها ولا يقيم عند إحداهن أكثر إلا بإذن الأخرى .
وذهب الشافعية في المذهب عندهم والقاضي من الحنابلة إلى أن الأولى للزوج أن يقسم بين زوجاته ليلةً ليلةً .. اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ; ولأن ذلك أقرب لعهدهن به ، وأدنى إلى التسوية في إيفاء الحقوق ، فإن قسم ليلتين أو ثلاثاً جاز ; لأنه في حدّ القليل ، وإن زاد على الثلاث حرم ولم يجز من غير رضاهن ، لأن فيه تغريراً بحقوقهن .
ومقابل المذهب عند الشافعية أنه تكره الزّيادة على الثلاث .
«الخروج في نوبة زوجة والدّخول على غيرها»
20 - اتفق الفقهاء على أن من له أكثر من زوجة عليه أن يوفي كل واحدة منهن قسمها دون نقص أو تأخير ، لأن هذا من العدل الواجب عليه في القسم بينهن ، ولكنهم اختلفوا في خروج الزوج في نوبة إحدى زوجاته - ليلاً أو نهاراً - ودخوله على غيرها كذلك ليلاً أو نهاراً ، ولهم في ذلك تفصيل على النحو التالي :
قال الشافعية والحنابلة : إن خرج الزوج الذي عماد قسمه الليل من عند بعض نسائه في زمانها، فإن كان ذلك في النهار أو أول الليل أو آخره مما جرت العادة بالانتشار فيه والخروج إلى الصلاة جاز ، وإن خرج في غير ذلك من الليل ولم يلبث أن عاد لم يقض لمن خرج من عندها هذا الوقت للمسامحة به ; ولأنه لا فائدة في قضائه لقصره ، وإن طال زمن خروجه قضاه ، سواء أكان لعذر أم لغير عذر ; لأنه مع طول الزمن لا يسمح به عادةً ، فيكون حقّها قد فات بغيبته عنها ، وحقّ الآدميّ لا يسقط ولو بعذر إلا بإسقاط صاحبه ... فوجب القضاء .
وليس لهذا الزوج دخول في نوبة زوجة على غيرها ليلاً ، لما فيه من إبطال حقّ صاحبة النوبة، إلا لضرورة كمرضها المخوف وشدة الطلق وخوف النهب والحرق ، وحينئذ إن طال مكثه عرفاً قضى لصاحبة النوبة من نوبة المدخول عليها مثل مكثه ، وإن لم يطل مكثه فلا يقضي ، وإذا تعدى بالدّخول قضى إن طال مكثه وإلا فلا قضاء ، وأثم .
وإن دخل الزوج في نوبة إحدى زوجاته على غيرها نهاراً فإنه يجوز لحاجة ; لأنه يتسامح فيه ما لا يتسامح في الليل ، فيدخل لوضع متاع ونحوه كتسليم نفقة وتعرّف خبر وعيادة .. لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها : « وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً ، فيدنو من كلّ امرأة من غير مسيس ، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها» ، فإذا دخل لشيء من ذلك لم يطل مكثه عن قدر الحاجة ولم يجامع .
قال الشافعية : ينبغي أن لا يطول مكثه ، أي يجوز له تطويل المكث لكنه خلاف الأولى ، وذهب بعضهم إلى وجوب عدم تطويل المكث لأن الزائد على الحاجة كابتداء دخول لغيرها وهو حرام ، والصحيح أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة وإن طال الزمن ; لأن النهار تابع مع وجود الحاجة . وفي مقابل الصحيح يجب قضاء المدة - إن طالت - دون الجماع ، ووفق بعضهم بين القولين بحمل الأول على ما إذا طالت بقدر الحاجة ، والثاني على ما إذا طالت فوق الحاجة .
والصحيح - عندهم - أيضاً أن له ما سوى الوطء من استمتاع .. للحديث السابق ; ولأن النهار تابع ، والقول الثاني : لا يجوز ، أما الوطء فإنه لا يجوز لغير صاحبة النوبة ، سواء أكان ليلاً أم نهاراً .
وقال الحنابلة : إن أطال المقام عند غير صاحبة النوبة قضاه ، وإن استمتع بها بما دون الفرج ففيه وجهان : أحدهما يجوز لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها ، والثاني لا يجوز لأنه يحصل لها به السكن ، وإن دخل عليها فجامعها في الزمن اليسير - ليلاً أو نهاراً - ففيه وجهان : أحدهما لا يلزمه قضاؤه ، لأن الوطء لا يستحقّ في القسم ، والزمن اليسير لا يقضى . والثاني : يلزمه أن يقضيه وهو أن يدخل على المظلومة في ليلة المجامعة فيجامعها فيعدل بينهما .. ولأن اليسير مع الجماع يحصل به السكن فأشبه الكثير .
وقال الحنفية : يلزم الزوج التسوية بين زوجاته في الليل ، حتى لو جاء للأولى بعد الغروب وللثانية بعد العشاء فقد ترك القسم ، ولا يجامعها في غير نوبتها ، ولا يدخل عليها إلا لعيادتها، ولو اشتد مرضها - ففي الجوهرة - لا بأس أن يقيم عندها حتى تشفى أو تموت ، يعني إذا لم يكن عندها من يؤنسها .
والنوبة لا تمنع أن يذهب إلى الأخرى لينظر في حاجتها ويمهّد أمورها ، وفي صحيح مسلم
« أنهن كن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها » ، والذي يظهر أن هذا جائز برضاء صاحبة النوبة إذ قد تتضيق لذلك .
وقال المالكية : لا يدخل الزوج في يوم إحدى زوجاته على ضرتها ، أي يمنع ، إلا لحاجة غير الاستمتاع كمناولة ثوب ونحوه فيجوز له ولو أمكنه الاستنابة فيها على الأشبه بالمذهب . ولمالك لا بد من عسر الاستنابة فيها ، وعمم ابن ناجي دخوله لحاجة في النهار والليل مخالفاً لشيخه في تخصيص الجواز بالنهار ، وللزوج وضع ثيابه عند واحدة دون الأخرى لغير ميل ولا إضرار ، ولا يقيم عند من دخل عندها إلا لعذر لا بد منه ، وجاز في يومها وطء ضرتها بإذنها ، ويجوز من غير حاجة السلام بالباب من خارجه في غير يومها ، وتفقّد شأنها من غير دخول إليها ولا جلوس عندها على المذهب ، ولا بأس بأكل ما بعثت إليه بالباب لا في بيت الأخرى لما فيه من أذيتها .
«ذهاب الزوج إلى زوجاته ودعوتهن إليه»
21 - اتفق الفقهاء - في الجملة - على أن الأولى في حالة تعدّد الزوجات أن يكون لكلّ منهن مسكن يأتيها الزوج فيه اقتداءً بفعل النبيّ صلى الله عليه وسلم حيث كان يقسم لنسائه في بيوتهن ; ولأنه أصون وأستر حتى لا تخرج النّساء من بيوتهن ، ويجوز للزوج - إن انفرد بمسكن - أن يدعو إليه كل واحدة من زوجاته في ليلتها ليوفيها حقها من القسم .
لكن للفقهاء فيما وراء ذلك تفصيلاً يحسن عرضه :
قال الحنفية : لو مرض الزوج في بيته دعا كل واحدة في نوبتها ; لأنه لو كان صحيحاً وأراد ذلك ينبغي أن يقبل منه .
وقال المالكية : جاز للزوج برضاء زوجاته طلبه منهن الإتيان للبيات معه بمحلّه المختصّ به ، ولا ينبغي له هذا إذ السّنة دورانه هو عليهن في بيوتهن « لفعله صلى الله عليه وسلم » ، فإن رضي بعضهن لم يلزم باقيهن ، بل نص بعض المالكية على أنه يقضى على الزوج أن يدور عليهن في بيوتهن ولا يأتينه إلا أن يرضين .
وقال الشافعية : إن لم ينفرد الزوج بمسكن وأراد القسم دار عليهن في بيوتهن توفيةً لحقّهن ، وإن انفرد بمسكن فالأفضل المضيّ إليهن صوناً لهن ، وله دعاؤهن بمسكنه ، وعليهن الإجابة ; لأن ذلك حقّه ، فمن امتنعت وقد لاق مسكنه بها فيما يظهر فهي ناشزة إلا ذات خفر - قال الشبراملسي : أي شرف - لم تعتد البروز فيذهب لها كما قال الماورديّ واستحسنه الأذرعيّ وغيره ، وإلا نحو معذورة بمرض فيذهب أو يرسل لها مركباً إن أطاقت مع ما يقيها من نحو مطر .
والأصحّ تحريم ذهابه إلى بعضهن ودعاء غيرهن إلى مسكنه لما فيه من الإيحاش ، ولما في تفضيل بعضهن على بعض ، من ترك العدل ، إلا لغرض كقرب مسكن من مضى إليها ، أو خوف عليها لنحو شباب دون غيرها فلا يحرم . والضابط أن لا يظهر منه التفضيل والتخصيص، ويحرم أن يقيم بمسكن واحدة ويدعو الباقيات إليه بغير رضاهن ، ولو لم تكن هي فيه حال دعائهن ، فإن أجبن فلها المنع ، وإن كان البيت ملك الزوج لأن حق السّكنى فيه لها .
وقال الحنابلة : إن اتخذ الزوج لنفسه مسكناً غير مساكن زوجاته يدعو إليه كل واحدة في ليلتها ويومها ويخليه من ضرتها جاز له ذلك ، لأن له نقل زوجته حيث شاء بمسكن يليق بها ، وله دعاء بعض الزوجات إلى مسكنه والذهاب إلى مسكن غيرهن من الزوجات ; لأن له أن يسكن كل واحدة منهن حيث شاء ، وإن امتنعت من دعاها عن إجابته وكان ما دعاها إليه مسكن مثلها سقط حقّها من القسم لنشوزها ، وإن أقام عند واحدة ودعا الباقيات إلى بيتها لم يجب عليهن الإجابة لما بينهن من غيرة والاجتماع يزيدها .
«القرعة للسفر»
22 - اختلف الفقهاء في الرجل يريد السفر بإحدى زوجاته ، هل له ذلك ، أم لا بد من رضا سائر الزوجات أو القرعة ؟
فذهب الحنفية والمالكية في الجملة إلى أن للزوج السفر بمن شاء من زوجاته دون قرعة أو رضا سائر الزوجات ، لكن لكلّ منهم تفصيلاً :
فقال الحنفية : لا حق للزوجات في القسم حالة السفر ، فيسافر الزوج بمن شاء منهن .
والأولى أن يقرع بينهن فيسافر بمن خرجت قرعتها ، تطييباً لقلوبهن ; ولأنه قد يثق بإحدى الزوجات في السفر وبالأخرى في الحضر والقرار في المنزل لحفظ الأمتعة أو لخوف الفتنة ، وقد يمنع من سفر إحداهن كثرة سمنها مثلاً ، فتعيين من يخاف صحبتها في السفر للسفر لخروج قرعتها إلزام للضرر الشديد وهو مندفع بالنافي للحرج .
وقال المالكية : إن أراد الزوج أن يسافر بإحدى زوجتيه أو زوجاته اختار من تصلح لإطاقتها السفر أو لخفة جسمها أو نحو ذلك لا لميله إليها ، إلا في سفر الحجّ والغزو فيقرع بينهما أو بينهن لأن المشاحة تعظم في سفر القربات ، وشرط الإقراع صلاح جميعهن للسفر ، ومن اختار سفرها أو تعين بالقرعة أجبرت عليه إن لم يشق عليها أو يكون سفرها معرةً عليها ، ومن أبت لغير عذر سقطت نفقتها .
واتفق الشافعية والحنابلة على أن الزوج لا يجوز له أن يسافر ببعض زوجاته - واحدةً أو أكثر- إلا برضاء سائرهن أو بالقرعة ، وذلك في الأسفار الطويلة المبيحة لقصر الصلاة ، وكذا في الأسفار القصيرة في الأصحّ عند الشافعية والحنابلة قالوا : لا فرق بين السفر الطويل والقصير لعموم الخبر والمعنى ، ومقابل الأصحّ عند الشافعية وهو قول القاضي من الحنابلة : أنه ليس للزوج أن يستصحب بعض زوجاته بالقرعة في السفر القصير لأنه في حكم الإقامة ، وليس للمقيم تخصيص بعضهن بالقرعة ، فإن فعل قضى للبواقي .
واستدل الشافعية والحنابلة على وجوب القرعة لتعيين إحدى الزوجات للسفر مع الزوج بما روت عائشة رضي الله تعالى عنها : « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه ، وأيتهن خرج سهمها خرج بها معه » ، كما استدلّوا على القرعة لتعيين أكثر من واحدة للسفر مع الزوج إن أراد ذلك بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه ، فصارت القرعة لعائشة وحفصة » وقالوا : إن المسافرة ببعض الزوجات من غير قرعة تفضيل لمن سافر بها فلم يجز من غير قرعة .
وقالوا : إذا سافر بأكثر من واحدة سوى بينهن في القسم في السفر كما يسوّي بينهن في الحضر.
واتفق الشافعية والحنابلة على أنه إذا خرجت القرعة لإحدى الزوجات لم يجب على الزوج السفر بها ، وله تركها والسفر وحده ; لأن القرعة لا توجب وإنما تعيّن من تستحقّ التقديم ، وإن أراد السفر بغيرها لم يجز ; لأنها تعينت بالقرعة فلم يجز العدول عنها إلى غيرها ، وإن امتنعت من السفر مع الزوج سقط حقّها إذا رضي الزوج ، وإن لم يرض الزوج بامتناعها فله إكراهها على السفر معه لأنه يجب عليها إجابته ، فإن رضي بامتناعها استأنف القرعة بين البواقي لتعيين من تسافر معه .
ونص الحنابلة على أن من خرجت لها القرعة إن وهبت حقها من ذلك لغيرها من الزوجات جاز إن رضي الزوج ; لأن الحق لها فصحت هبتها له كما لو وهبت ليلتها في الحضر ، ولا يجوز بغير رضا الزوج لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه ، وإن وهبته للزوج أو لسائر الزوجات جاز .
وقال الشافعية والحنابلة : إن رضيت الزوجات كلّهن بسفر واحدة معه من غير قرعة جاز ; لأن الحق لهن إلا أن لا يرضى الزوج بها فيصار إلى القرعة ، ونص الشافعية على أن الزوجات إن رضين بواحدة فلهن الرّجوع قبل سفرها ، قال الماورديّ : وكذا بعده ما لم يجاوز مسافة القصر، أي يصل إليها .
وقالوا : لو أقرع الزوج بين نسائه على سفر فخرج سهم واحدة فخرج بها ، ثم أراد سفراً آخر قبل رجوعه من ذلك السفر كان ذلك كلّه كالسفر الواحد ، ما لم يرجع ، فإذا رجع فأراد سفراً أقرع .
وقالوا : لو سافر بواحدة من نسائه أو أكثر بقرعة أو برضاهن لا يلزمه القضاء للحاضرات ، سواء طال سفره أو قصر ; لأن التي سافر بها يلحقها من مشقة السفر بإزاء ما حصل لها من السكن ، ولا يحصل لها من السكن مثل ما يحصل لمن في الحضر ، أي أن المقيمة في الحضر التي لم تسافر مع زوجها وإن فاتها حظّها من زوجها أثناء سفره مع غيرها من الزوجات ، فقد ترفهت بالدعة والإقامة فتقابل الأمران فاستويا ، ولو سافر الزوج بواحدة أو أكثر من زوجاته دون رضاهن أو القرعة أثم ، وقضى للأخريات مدة السفر .
وقالوا : إن خرج بإحداهن بقرعة ثم أقام قضى مدة الإقامة لخروجها عن حكم السفر ، وذلك إذا ساكن المصحوبة ، أما إذا اعتزلها مدة الإقامة فلا يقضي .
وقالوا : من سافر لنقلة حرم عليه أن يستصحب بعضهن دون بعض ولو بقرعة ، بل ينقلهن أو يطلّقهن ، وإن أراد الانتقال بنسائه فأمكنه استصحابهن كلّهن في سفره فعل ولم يكن له إفراد إحداهن به ; لأن هذا السفر لا يختصّ بواحدة بل يحتاج إلى نقل جميعهن ، فإن خص إحداهن بالسفر معه قضى للباقيات ، وإن لم يمكنه صحبة جميعهن أو شق عليه ذلك وبعث بهن جميعاً مع غيره ممن هو محرم لهن جاز ، ولا يقضي لأحد ولا يحتاج إلى قرعة لأنه سوى بينهن ، وإن أراد إفراد بعضهن بالسفر معه لم يجز إلا بقرعة ، فإذا وصل إلى البلد الذي انتقل إليه فأقامت معه فيه قضى للباقيات .
ونص الشافعية على أن السفر الذي تتعلق به هذه الأحكام هو السفر المباح ، أما غيره فليس للزوج أن يستصحب فيه بعضهن بقرعة ولا بغيرها ، فإن فعل عصى ولزمه القضاء للزوجات الباقيات .
«قضاء ما فات من القسم»
23 - اتفق الفقهاء على أن العدل في القسم بين الزوجات واجب على الزوج ، فإن جار الزوج وفوت على إحداهن قسمها فقد اختلفوا في قضاء ما فات من القسم :
فقال الحنفية والمالكية : لا يقضي الزوج المبيت الذي كان مستحقّاً لإحدى زوجاته ولم يوفه لها; لأن القصد من المبيت دفع الضرر وتحصين المرأة وإذهاب الوحشة ، وهذا يفوت بفوات زمنه ، فلا يجعل لمن فاتت ليلتها ليلةً عوضاً عنها لأنه حينئذ يظلم صاحبة تلك الليلة التي جعلها عوضاً; ولأن المبيت لا يزيد على النفقة وهي تسقط بمضيّ المدة عند الحنفية .
وقال الشافعية والحنابلة : على الزوج أن يقضي ما فات من القسم للزوجة إذا لم يكن ذلك بسبب من جانبها كنشوزها أو إغلاقها بابها دونه ومنعها إياه من الدّخول عليها في نوبتها .
وأسباب فوات القسم متعدّدة : فقد يسافر الزوج بإحدى الزوجات فيفوت القسم لسائرهن .. وقد سبق بيان حكم القضاء لهن تفصيلاً .
وقد يتزوج الرجل أثناء دورة القسم لزوجاته وقبل أن يوفي نوبات القسم المستحقة لهن ، فيقطع الدورة ليختص الزوجة الجديدة بقسم النّكاح ، مما يترتب عليه فوات نوبة من لم يأت دورها فيجب القضاء لها .. وقد سبق بيان ذلك .
وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بسفرها ، وفي ذلك تفصيل عند الشافعية والحنابلة :
قالوا : إن سافرت بغير إذنه لحاجتها أو حاجته أو لغير ذلك فلا قسم لها ; لأن القسم للأنس وقد امتنع بسبب من جهتها فسقط ، وإن سافرت بإذنه لغرضه أو حاجته فإنه يقضي لها ما فاتها بحسب ما أقام عند ضرتها لأنها سافرت بإذنه ولغرضه ، فهي كمن عنده وفي قبضته وهو المانع نفسه بإرسالها ، وإن سافرت بإذنه لغرضها أو حاجتها لا يقضي لها « عند الحنابلة وفي الجديد عند الشافعية » لأنها فوتت حقه في الاستمتاع بها ولم تكن في قبضته ، وإذنه لها بالسفر رافع للإثم خاصةً .
وأضاف الشافعية : لو سافرت لحاجة ثالث - غيرها وغير الزوج - قال الزركشيّ : فيظهر أنه كحاجة نفسها ، وهو - كما قال غيره - ظاهر إذا لم يكن خروجها بسؤال الزوج لها فيه ، وإلا فيلحق بخروجها لحاجته بإذنه ، ولو سافرت وحدها بإذنه لحاجتهما معاً لم يسقط حقّها كما قال الزركشيّ وغيره بالنّسبة للنفقة ومثلها القسم ، خلافاً لما بحثه ابن العماد من السّقوط .
وقد يفوت قسم إحدى الزوجات بتخلّف الزوج عن المبيت عندها في نوبتها أو بخروجه أثناء نوبتها ، فإن كان الفوات للنوبة بكاملها وجب قضاؤها كاملةً ، وإن كان الفوات لبعض النوبة كأن خرج ليلاً - فيمن عماد قسمه الليل - وطال زمن خروجه ولو لغير بيت الضرة . . فإنه يجب القضاء وإن أكره على الخروج .
«تنازل الزوجة عن قسمها»
24 - اتفق الفقهاء على أنه يجوز لإحدى زوجات الرجل أن تتنازل عن قسمها ، أو تهب حقها من القسم لزوجها أو لبعض ضرائرها أو لهن جميعاً ، وذلك برضا الزوج ; لأن حقه في الاستمتاع بها لا يسقط إلا برضاه لأنها لا تملك إسقاط حقّه في الاستمتاع بها ، فإذا رضيت هي والزوج جاز ; لأن الحق في ذلك لهما لا يخرج عنهما ، فإن أبت الموهوبة قبول الهبة لم يكن لها ذلك لأن حق الزوج في الاستمتاع بها في كلّ وقت ثابت وإنما منعته المزاحمة بحقّ صاحبتها، فإن زالت المزاحمة بهبتها ثبت حقّه في الاستمتاع بها وإن كرهت كما لو كانت منفردةً ، وقد ثبت « أن سودة بنت زمعة رضي الله تعالى عنها وهبت يومها لعائشة رضي الله تعالى عنها ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة » .
ويعلّق الشافعية على هذه الهبة بقولهم : هذه الهبة ليست على قواعد الهبات ، ولهذا لا يشترط قبول الموهوب لها أو رضاها ، بل يكفي رضا الزوج ; لأن الحق مشترك بين الواهبة وبينه ، إذ ليس لنا هبة يقبل فيها غير الموهوب له مع تأهّله للقبول إلا هذه .
وقال الشافعية والحنابلة : إن وهبت ليلتها لجميع ضرائرها ، ووافق الزوج ، صار القسم بينهن، كما لو طلق الواهبة ، وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء : إن أراد جعلها للجميع ، أو خص بها واحدةً منهن ، أو جعل لبعضهن فيها أكثر من بعض .
وقيل - عند الشافعية - ليس للزوج أن يجعل الليلة الموهوبة له حيث شاء من بقية الزوجات ، بل يسوّي بينهن ولا يخصّص ; لأن التخصيص يورث الوحشة والحقد ، فتجعل الواهبة كالمعدومة .
وعند الشافعية كذلك أن إحدى الزوجات لو وهبت ليلتها للزوج ولبعض الزوجات ، أو له وللجميع ، فإن حقها يقسم على الرّءوس ، كما لو وهب شخص عيناً لجماعة .
وقال الشافعية والحنابلة : إن وهبت إحدى الزوجات ليلتها لواحدة جاز ، ثم إن كانت تلك الليلة تلي ليلة الموهوبة والى بينهما ، وإن كانت لا تليها لم يجز الموالاة بينهما إلا برضاء الباقيات ، ويجعلها لها في الوقت الذي كان للواهبة ; لأن الموهوبة قامت مقام الواهبة في ليلتها فلم يجز تغييرها كما لو كانت باقيةً للواهبة ; ولأن في ذلك تأخير حقّ غيرها وتغييراً لليلتها بغير رضاها فلم يجز ، وكذلك الحكم إذا وهبتها للزوج فآثر بها امرأةً منهن بعينها .
وفي قول عند الشافعية ووجه عند الحنابلة أنه يجوز للزوج أن يوالي بين الليلتين لعدم الفائدة في التفريق .
وللزوجة الواهبة الرّجوع متى شاءت فإذا رجعت انصرف الرّجوع من حينه إلى المستقبل ; لأنها هبة لم تقبض فلها الرّجوع فيها ، وليس لها الرّجوع فيما مضى لأنه بمنزلة المقبوض ، ولو رجعت في بعض الليل كان على الزوج أن ينتقل إليها ، فإن لم يعلم حتى أتم الليلة لم يقض لها شيئاً لأن التفريط منها .
ونص بعض الحنفية على ما يوافق الشافعية والحنابلة في المسائل السابقة .
«العوض للتنازل عن القسم»
25 - اختلف الفقهاء في أخذ الزوجة المتنازلة عن قسمها عوضاً على ذلك .
فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز لها ذلك ، لا من الزوج ولا من الضرائر ، فإن أخذت لزمها ردّه واستحقت القضاء ; لأن العوض لم يسلم لها ، وإنما لم يجز أخذ العوض عن قسمها لأنه ليس بعين ولا منفعة ; ولأن مقام الزوج عندها ليس بمنفعة ملكتها .
وأضاف الحنابلة : إن كان العوض غير المال مثل إرضاء زوجها وغيره عنها جاز فإن عائشة رضي الله تعالى عنها « أرضت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفية رضي الله تعالى عنها وأخذت يومها ، وأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره » .
قال ابن تيمية : قياس المذهب جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره ووقع في كلام القاضي ما يقتضي جوازه .
وذهب المالكية إلى أن أخذ العوض على ذلك جائز ، فقالوا : جاز للزوج إيثار إحدى الضرتين على الأخرى برضاها ، سواء كان ذلك بشيء تأخذه منه أو من ضرتها أو من غيرهما ، أو لا ، بل رضيت مجاناً ، وجاز للزوج أو الضرة شراء يومها منها بعوض ، وتختصّ الضرة بما اشترت ، ويخصّ الزوج من شاء بما اشترى ، وعقب الدّسوقيّ بقوله : وتسمية هذا شراءً مسامحة ، بل هذا إسقاط حقّ لأن المبيع لا بد أن يكون متمولاً .
«ما يسقط به القسم»
26 - يسقط حقّ الزوجة في القسم بإسقاطها ويسقط بالنّشوز كما تسقط به النفقة .. وذلك باتّفاق الفقهاء ، ومن النّشوز أن تخرج بغير إذنه أو تمنعه من التمتّع بها .. قال الشافعية : ولو بنحو قبلة وإن مكنته من الجماع حيث لا عذر في امتناعها منه ، فإن عذرت كأن كان به صنان مستحكم - مثلاً - وتأذت به تأذّياً لا يحتمل عادةً لم تعد ناشزةً ، وتصدق في ذلك إن لم تدل قرينة قوية على كذبها .. وسقوط حقّ الناشزة في القسم لأنها بخروجها على طاعة زوجها وامتناعها منه رضيت بإسقاط حقّها في القسم .
ولا تستحقّ القسم زوجة صغيرة لا تطيق الوطء ، وكذا المجنونة غير المأمونة ، والمحبوسة ; لأن في إلزام زوجها بالقسم لها إضراراً به حيث يدخل الحبس معها ليوفيها قسمها ، والزوجة المسافرة لحاجتها وحدها بإذن زوجها .


الموسوعة الفقهية الكويتية



هناك تعليق واحد:

  1. If you're attempting to lose weight then you need to start following this brand new personalized keto diet.

    To create this keto diet, certified nutritionists, personal trainers, and professional chefs have united to develop keto meal plans that are useful, decent, cost-efficient, and delicious.

    Since their grand opening in 2019, 100's of clients have already transformed their figure and well-being with the benefits a great keto diet can provide.

    Speaking of benefits; in this link, you'll discover 8 scientifically-certified ones given by the keto diet.

    ردحذف