الخميس، 13 ديسمبر 2012

التسايق في بناء الأبراج في الخليج ماذا يخدم ؟ بقلم فواز الشريف

بينما كنت أجول ذات مرة بين القنوات الفضائية المتخم بها جهاز استقبال البث الفضائي خاصتي استوقفني على قناة الجزيرة الوثائقية برنامج يتناول الحديث عن أضخم برج شيد على الإطلاق وللوهلة الأولى خلتُ أن المعني بالحديث يقبع على أرض دولة من الدول المنعوتة بالدول العظمى عندئذ لا جديد في الأمر يسترعي الانتباه فهذه الدول ومن واقع ما أحرزته من تطور وتقدم تقني وهندسي برزت به ما خلاها من أمم المعمورة وبما تمتلكه من إمكانيات وموارد وقدرات علمية يخولها للتسابق في مضامير الهندسة الإنشائية و الذي ما انفكت تطالع به العالم بين الفينة و الأخرى .. اسوة ببقاء منجزاتها في شتى المجالات و التي ما فتئت وسائل إعلامنا تشنف بها مسامعنا ، وللأسف ليس لنا في انجاز ما يضاهيها أدنى حظ لا من قريب ولا من بعيد عدا عنا كوننا سوقاً عالمية للاستهلاك .. ولكن اللافت للنظر والذي يسفر عن وجه الغرابة أن يكون هذا البناء السامق المزمع إنشاؤه و الذي وضعت لبناته الأولى منذ ما يربو على ال عامين في قلب الصحراء العربية وتحديداً في مدينة دبي !! عندئذ أثار هذا الخبر حفيظتي وبعث في نفسي جملة من التساؤلات ألفيت نفسي بعدها وقد ارتميت في أحضان الكتابة ألمم شعاث فكري لأخط على أديم بعضٍ من قراطيس قديمة متناثرة على مكتبي هنا وهناك شيئاً مما يعتمل في نفسي ويجيش بها من مشاعر امتزجت بالمقت والأسى فما كان يدور في خلدي قط أن يصل حكام هذه الرقاع من الأرض و الموسومة بدول الخليج العربي إلى هذا المستوى من العبث و الترف
وأخذت أتساءل ما هذا الجنون وإلى أين ستقودنا هذه الشراذم التي خنعت لهم الأمة وأوكلتها زمام أمورها .. وإلى متى هذا الصمت المطبق إزاء هذه التصرفات الغير مسئولة
ورب سائل ما قد يتملكه العجب مما سأقدم على البوح به .. ولكن العاقل الأريب سيدرك ما أرمي إليه ولا يجد غضاضةً فيما سيعبر عنه رسمي .. أما خلا ذلك من فئام الناس من دعاة التغريب والتقليد ممن تعج بهم منطقتنا والذين لم يعد لهم من العقل إلا ما يحرك فيهم الغرائز فسيثربون عليّ مقالتي وربما نعتوني بما شاءت لهم عقولهم القاصرة بنعوت لا تخلو من وصمي بالتخلف و الرجعية وأن ما سأزمع على الإفصاح عنه أنما تبثه نفس تملأ الغيرة و الحسد جوانحها .. ولا ضير عندي فيما قد تصف ألسنتهم
وحسبي أن هناك من العقلاء من سيَعي و يثمن مقالتي و ستجد عباراتي إلى عقولهم سبيلاً
ولا أخفي على أحد أن هذا البرنامج رغم ما اعتراني منه فقد شدني لمتابعته وإكماله لا لكونه أثار فيّ حب فضول فحسب بل حتى أحيط بكامل جوانبه وأدرك كافة أبعاده لأخرج بتصور متكامل ليتسنى لي تقييم جانب من واقع مرّ تمر به أمتنا .
لقد أبتليت هذه الأمة في هذا الزمان بهذه الشراذم التي لا هم لها سوى ذواتها عملت قوى الاستعمار الغربي على صناعتها وتنصيبها حكاماً في ظاهرهم وعملاء في بواطن حقيقتهم وما خفي من واقعهم كان أعظم ..وكل يوم يمضى على هذه الأمة وكل نازلة تحل بها تفضح حقيقتهم وتسقط المزيد و المزيد من الأقنعة التي دُثرت بها وجوههم السمجة لتكشف زيفهم وجلية أمرهم
فعوضاً عن أن تكرس هذه الثروات التي هي ملك الأمة قاطبة من أرخبيل إندونوسيا شرقاً حتى المحيط الأطلسي غرباً مروراً بالأقلية المسلمة في الشرق و الغرب لخدمة الإسلام و المسلمين أضحت حكراً في أيدي هؤلاء تعيث بها كيفما شاءت وتبددها على متاعها وملاذها ورغباتها اللامنتهية وتنذرها لخدمة أعداء الأمة والمتربصين بها ..وأمست هذه الثروات والمقدرات بفضلهم وبالاً على الأمة وعلى شعوبها !
وما أبراج دبي تلك سوى أنموذج مصغر لهذا التبديد وذاك العبث .. وحسبنا أن نعلم أن مقدار ما أنفق على هذه الأبراج أو ما يسمى في العرف الاقتصادي بالتكلفة ووفق ما ورد في طي البرنامج ما يناهز الــ 20 مليار دولار وقطعاً فإن هذا الرقم الفلكي هو أضعاف التكلفة الحقيقة آخذين في الحسبان أن من يشرف على تشييده ويعمل عليه هي شركات أوروبية وأجنبية .
كل هذه المليارات تنفق من أجل ماذا ؟؟
هل هي نوع من الدعاية ؟ أم أن هذا القطر الصغير ذو الموارد الضخمة وعدد السكان القليل يعاني من أزمة في الإسكان ؟ أم هو البذخ و الترف الذي أضحى سمة من سمات الأسر الحاكمة لهذه الدويلات ؟ ولا تسل عن توقيت هذه الإنجاز المصطنع ففي خضم ما تشهده أمتنا من نكبات حلت على رأسها بفضل هؤلاء الخونة ومن هم على شاكلتهم ..فهناك الفقر المدقع والفساد والبطالة الخانقة بجانب تخلف صناعي واقتصادي وجهل وأمية .. وثالثة هجوم سافر من قبل الصليبية الحاقدة على أقدس مقدستنا ورموز ديننا ، وعوضا أن تنفق هذه المليارات على مشاريع تنموية حقيقية يستفاد منها أو مشاريع صناعية أو زراعية أو أضعف الإيمان مشاريع عسكرية تُمكن لهؤلاء الضعاف من حماية ما يتشدقون بالحديث عنه من منجزات مصطنعة لا تتجاوز الحجر و الأسمنت وبأيدي وسواعد أجنبية ولك أن تتخيل مدى المفارقة !
وليس هذا المشروع سوى واحد من مشاريع عديدة تنوعت صورها وأشكالها ومضمانيها من مشاريع أهدرت فيها الثروات إلى مشاريع أشرّ وأنكى تسابق من خلالها هؤلاء على أرضاء أسيادهم وحرباً على دينهم وهويتهم هذا إن كان لهم دين أو هوية كما يزعمون ، بدءاً ممن أعلن هذه الدوقية الصغيرة مدينة حرة ( وتصور ما تنطوي عليه هذه الكلمة ) قبل عقدين من الزمن وصولاً إلى إنشاء ملاعب ومطارات ومنتجعات للغرب وعلى أرض الغرب وكأن هؤلاء بهم من العوز ما الله به عليم وصولاً إلى فتح باب الاستثمار على مصراعيه لاستثمارات أو إستعمارات غربية لمدد تبلغ المائة عام ، والأدهى و الأمر كنائس ومعابد وثنية تشيد بمباركة ودعم من هؤلاء اللصوص وأين في جزيرة العرب ! ، ولو تتبعنا القائمة لطال السرد وحدث ولا حرج .
وهذا كله إن دل فإنما يدل على كونهم ضالعين وسباقين في الخيانات وما تبديد المال وهدر الثروات سوى ضرب من الخيانة حتى وإن كانت ذات طابع اقتصادي .
ولا غرو في أن يتسابق هؤلاء ومن هم على شاكلتهم في تبديد مقدرات وثروات الأمة ويمعنوا في تعنتهم وخيانتهم طالما أذعنت لهم شعوبهم وهي خانعة ذليلة وقد استمرأت العبودية و الخضوع لغير سلطان الله وأسلمت قيدها لهذه الحثالة .
و الحق يقال أن هؤلاء الخونة قد برعوا في تطويع هذا الغثاء وبأساليب وطرائق شتى تفاوتت كماً ونوعاً ومن قطر لآخر فهذا طوعهم باسم الدين وآخر بالمال وثالث بالإفساد السافر فقد تعددت الأسباب و الموت واحد ، والقاسم المشترك دوماً قمع واستبداد مطلق والمحصلة تبديد للثروات والمقدرات وخيانة عظمى وقبل ذلك إفساد للأخلاق و الدين .. وإلى الله المشتكى
ولعمري مهما قال القائلون وتحدث المفوهون فإن الخطب جلل و الرزية عظيمة ما لم يتحرك العقلاء في هذه الشعوب فإن وعيد الله قادم لامحالة وأمره كائن لا راد له ولن يرد البلاء ويرفع العقاب إلا إذا أُخذ على أيدي هؤلاء الذين طغوا وبغوا وأسرفوا ، وفي ظل الوضع الراهن لن يتأتى ذلك إلا باجتثاثهم حتى ولو كان المقابل أن تنزف بعض الدماء ويسقط بعض الشهداء وحسبنا أن نصدع بالقول المأثور ( أطلبوا الموت توهب لكم الحياة ) وما الدنيا إلا دار بلاء وتمحيص وسنن الله ماضية في خلقه ولا مبدل لكلماته .




كتبها فواز الشريف
من مجموعة رسائل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق